/ دايانا شويخ /
يعتزم الرئيس الصيني شي جين بينغ لقاء نظيره الأميركي جو بايدن في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل، بحسب مسؤول رفيع المستوى في البيت الابيض، والذي أعلن أن المفاوضات بشأن تنظيم اجتماع بين بايدن وشي جين بينغ، جارية.
ويبدو اللقاء استثنائياً، خصوصاً مع ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب، بالإضافة إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان، الأمر الذي اعتبرته الصين حركة استفزازية وخرقاً لمبدأ الصين الواحدة، وقيام الصين على اثرها بتدريبات ومناورات عسكرية مكثفة في مضيق تايوان، إضافة إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من الكونغرس الأميركي، وهي ثاني مجموعة أميركية رفيعة المستوى تزور الجزيرة، وردت الصين على الزيارة التي وصفتها بالاستفزازية، يوم الاثنين، بإجراء مناورات عسكرية جديدة في محيط تايوان.
هذه الأحداث المتعاقبة التي شهدتها الساحة الدولية، تشكل علامات استفهام عدة حول الاتجاه الذي ستسلكه الدول، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة، بعدما شهدت علاقتهما توترات متصاعدة. فما الذي سيقدمه اللقاء بين بينغ وبايدن؟ وهل تريد واشنطن وبكين وضع قواعد اشتباك بينهما، أم ربط النزاع منعاً للتصعيد؟
دبلوماسية الصواريخ
بعدما حركت الصين صواريخها نحو تايوان، تراجعت الولايات المتحدة، عن إطلاق صاروخ “مينيتمان 3” الباليستي العابر للقارات، والذي تم تأجيل اختباره تجنباً لتصعيد التوتر مع الصين التي تقوم بمناورات مستمرة في مضيق تايوان. وقال الجيش الأميركي، في بيان، إنّ الاختبار يظهر “جاهزية القوى النووية الأميركية، ويوفر الثقة في مدى فتك وفعالية الردع النووي للولايات المتحدة”. ويبدو ان الولايات المتحدة تريد ايصال رسالة للصين والعالم، مفادها أن أميركا، القوة العظمى، لازالت على أتم جهوزيتها لخوض أي صراع محتمل، على الرغم من اللغة الناعمة التي تستخدمها في تعاملها مع الصين حول جزيرة تايوان.
هل تتضرر الصين من عقوباتها الاقتصادية على تايوان؟
تمثل الصين 60 في المئة من الطلب العالمي على أشباه الموصلات، وفقاً لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس للعام 2020. لذا لم تمس الصين الصادرات التايوانية الأكثر أهمية بالنسبة لها، وهي أشباه الموصلات، والتي تعتبر من المكونات الاساسية والمهمة للأجهزة الالكترونية، كالهواتف الذكية والسيارات الخ. فمساس الصين بأشباه الموصلات، كأن تقضي الصين على نفسها بنفسها. وأي هجوم عسكري صيني على تايوان، سيؤدي بطبيعة الحال إلى الحد من توريد أشباه الموصلات التي تشكل 40 في المئة من صادرات الأخيرة، ونحو 15 في المئة من ناتجها المحلي. بالإضافة إلى أن الصناعات في كلا الاقتصادين ترتكز على الأخرى.
حجم التبادل التجاري بين تايوان والصين مقارنة بالولايات المتحدة
تظهر البيانات الرسمية أن تايوان تعتمد على الصين في التجارة أكثر مما تعتمد على الولايات المتحدة. ففي العام الماضي، استحوذت الصين وهونغ كونغ على 42 في المئة من صادرات تايوان، بينما حصلت الولايات المتحدة على 15 في المئة.
وصدّرت تايوان سلعًا بقيمة 188.91 مليار دولار إلى الصين وهونج كونغ في العام 2021. وكان أكثر من نصفها قطعًا إلكترونية، تليها المعدات البصرية، وفقًا لوزارة المالية التايوانية. وأظهرت البيانات إضافة إلى ذلك، أن صادرات تايوان إلى جنوب شرق آسيا كانت أكبر من تلك إلى الولايات المتحدة، حيث بلغت 70.25 مليار دولار للمنطقة، مقابل 65.7 مليار دولار للولايات المتحدة.
واحتلت الصين وهونغ كونغ كمصدر لواردات تايوان، المرتبة الأولى مرة أخرى بنسبة 22 في المئة. أما الولايات المتحدة بنسبة 10 في المئة فقط، لتحتل مرتبة متأخرة عن اليابان وأوروبا وجنوب شرق آسيا.
وتلخص هذه الارقام أهمية الواردات التايوانية بالنسبة للصين، مقارنة بالولايات المتحدة التي تعتبر الداعم الاكبر لتايوان.
هل تتراجع الصين عن المواجهة العسكرية مع تايوان؟
اتخذت الصين خطوات أقل حدّة في الرد على “الاستفزازات” الأميركية، فأخذت المناورات العسكرية شكلاً من اشكال الرد العسكري على الزيارتين الاخيرتين (زيارة بيلوسي ووفد من الكونغرس الاميركي مؤخراً). وبقيت على الضفة الآمنة في ما يتعلق بالتبادل التجاري، بخاصة أشباه الموصلات التي تعتبر العصب الأساس للصناعات المتعددة. في المقابل حافظت على وتيرة المناورات، كي تسلب الحرية الجوية والبحرية من جزيرة تايوان، وتبقي المضيق تحت سيطرتها. وهذه المناورات، وإن كانت بالذخيرة الحية، والتي بالرغم من أنها تعد أمراً غير مسبوق، شكلت رد فعل أقل تهوراً من المتوقع. فهل تبقى الصين على هذه الوتيرة؟
يبدو أن الصين لازالت تقبع في منطقة حذرة وغير متهورة، آخذة بعين الاعتبار اقتصادها الذي ينمو بوتيرة أبطأ، وبحلفاء واشنطن الذين يحيطون بها من كل صوب في المحيط الهادئ. لذا، سيكون من المتوقع أن تتروى في تعاملها مع إدارة بايدن، وأن يأخذ شكل اللقاء ربط نزاع بين الطرفين، بخاصة أن واشنطن تُبدي حسن نية في التعامل مع سياسة بكين.
الصراع قائم ومفتوح، لكن لا مصلحة للفريقين، على الأقل راهناً، بأن يخرج عن السيطرة.