“صندوق النقد” ينتخب الرئيس.. من يرشّح؟

/ جورج علم /

رسم الرئيس نبيه برّي المسار. حددّ الأولويات. قال بإقرار إصلاحات صندوق النقد الدولي أولاً، من دون إغفال الاستحقاق الرئاسي.

يبقى الآتي:

1 ـ هل النصاب مضمون للتشريع، أم هناك جمل اعتراضيّة من قبل كتل نيابيّة تخالفه الرأي والتوجّه؟

2 ـ تشريع في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، أم حكومة “فن الممكن”، والتي هي قيد الإخراج؟

3 ـ هل من تكامل بين مساري ترسيم الحدود، وصندوق النقد، أم أن التزامن فرضته إرادات خارجيّة، على أبواب الاستحقاق الرئاسي؟

وتأتي الإجابات تباعاً مع تطوّر اللقاءات، والاتصالات، وما قد تحمله المستجدات من أضواء كاشفة على مرحلة حبلى باستحقاقات ينتظرها اللبنانيّون بفارغ الصبر لاستعلام غدهم، ومعرفة مصيرهم، ومستقبلهم.

يقين اللبنانيين أن الرئيس برّي صاحب خبرة، وتجربة، ومصدر ثقة، لا يركب البحر والأمواج عاتيّة، ولا يعاند الريح إن لم تتهاد إلى صواري مراكبه طيّعة. ومع ذلك يعرف تماما بأن المجلس منحه 65 صوتاً فقط، رغم العصمة الثنائيّة، والرافعة المعنويّة، وأن للكتل حسابات قد لا يلتقي بعضها مع مقادير بيدره، والحجّة عندها أن القوّة هي تلك النابعة من فائض السيادة، وتطبيق الدستور، لا من فائض القوّة، والخلاف هو حول جسر العبور نحو أي لبنان، وأي نظام يتجه اللبنانيّون، قبل الموافقة على إصلاحات قيمتها الإجماليّة ثلاثة مليارات دولار، على مدى ثلاث سنوات.

إشكالية بعض الكتل أن المسار الذي رسمه برّي واضح، لا يدحضه اجتهاد، ولا يكتنفه غموض، ذلك أن الغالبيّة مقتنعة بالمعادلة المتداولة: “لا بدّ من الإصلاحات للوصول إلى صندوق النقد، ولا بدّ من صندوق النقد لالتقاط الأنفاس”، لكن الحقائق الناطقة وراء الكواليس تفيد بأن الصندوق إذا ما “هلّ هلاله”، وصلح حاله، سيختار رئيسه، وحكومته، وفريق عمله، لكي يمسك جيداً بمفاصل البلد، ويضمن حسن التنفيذ، ويتجنّب مسار الفساد، ورموزه، وفي هذه الحال، ستكون هناك أرجحيّة تصبّ لمصلحة جهاد أزعور، كونه المدير الإقليمي للصندوق، وصاحب خبرة وتجربة.

وإشكاليّة بعض الكتل الأخرى، أن مسار الغاز، وترسيم الحدود، لا يقلّ أهميّة عن مسار الصندوق، هناك حسابات مختلفة، وشبكة مصالح واسعة، ومرجعيات دوليّة وإقليميّة مهتمة، والمسألة أبعد من خطوط مرسومة على المياه، إنها خطوط مرسومة على الورق  تحدد طبيعة التعاطي، وحدود المصالح، وتفاهمات الاستثمار، وهذا يتطلب  فريق عمل موثوق من جانب  الدول المعنيّة، وحكومة منسجمة، ورئيساً قادراً على ضبط الإيقاعات الداخليّة، كي تأتي متناغمة مع الإيقاعات الإقليمية والدوليّة ليعود لبنان إلى إتزانه وتوازنه، وهناك أسماء مطروحة من خارج الصف  تتمتع بمواصفات متطابقة مع المواصفات الدوليّة، والإقليميّة.

وبمعزل عن الأسماء ـ ويُقال أنها محصورة بثلاثة، بينها سمير عساف المقرّب جدّاً من الرئيس إيمانويل ماكرون – فإن الانشغال الداخلي، لا يحجب أهميّة ما يجري وراء الكواليس العربيّة والدوليّة المهتمة بالملف اللبناني، وما وصل الى بيروت من متداول الكلام بين الرئيس ماكرون، وولي العهد السعودي  الأمير محمد بن سلمان يفوق بأهميته الكلام المرصوص في البيان الختامي الصادر في أعقاب العشاء التكريمي. احتل لبنان حيّزاً من الاهتمام، حول نقاط عدّة، توافر منها الآتي:

  • الانتخابات النيابيّة لم تأت بجيل جديد من التغيريّين، قادر، ومتمكّن من الإمساك بالمقاليد، وبالتالي لا بدّ من طاقم قيادي جديد في لبنان. طاقم نظيف، غير متورّط في لوثة الفساد، يحظى بثقة المجتمع الدولي، وقادر على الاضطلاع بمسؤوليات الإنقاذ، بدءاً برئيس الجمهورية، إلى هرميّة السلطة، وصولاً إلى القاعدة، لتنفيذ ما جاء في بيان الإليزيه عن لبنان، وما جاء قبله في بيانات القمة السعوديّة ـ الفرنسيّة في جدّة، وصولاً الى قمّة جدّة الأميركيّة ـ العربيّة بمشاركة الرئيس جو بايدن..
  • العلّة في لبنان ليست في الدستور، بل بعدم تطبيقه. والعلّة ليست بالتوازنات، بل باختلالها، والاختلال واضح، ومعروف، ولا بدّ من العمل على إصلاح الخلل لكي يعود التوازن، وتعود الحياة الى الدستور، والمؤسسات.
  • إنفجار المرفأ، إنفجار للرمزيّة اللبنانية. لبنان ما بعده ليس كما قبله، ولا بدّ من مقاربة الوضع اللبناني من الزاوية التي احتلها الرئيس ماكرون في قصر الصنوبر مع قادة الأحزاب، والكتل النيابيّة بعد انفجار المرفأ، حيث قدّم خريطة طريق.

جديد الإليزيه أن خريطة الطريق هذه حظيت بدعم من ولي العهد السعودي، ستظهر مؤشراته تباعاً في زمن الاستحقاق الرئاسي.

  • تفعيل الصندوق السعودي ـ الفرنسي الخاص بدعم اللبنانييّن. الخيار المتاح أن يتحوّل إلى مؤسسة مؤازرة لإنهاض الوضع المالي ـ الاقتصادي من كبوته، إذا سارت الأمور وفق ما هو مرسوم لها، ووصل إلى هرميّة الدولة طاقم عمل موثوق بشفافيته، وقدرته على تدوير الزوايا الحادة، وإعادة لبنان على الخريطة العربيّة ـ الإقليميّة ـ الدوليّة.

إن القدرة على إنتاج “إنقاذ صنع في لبنان، وبمعاول لبنانية”، متاحة، لكن الإمكانيّة غير متوافرة لسببين:

الأول، أن الرئيس ماكرون قدّم خريطة طريق وقّع عليها “أمراء لبنان”، لكنهم “لحسوا” تواقيعهم، وبقيت حبراً على ورق.

الثاني، إن بعض السفراء المنهمكين علناً بـ”التفاصيل اللبنانيّة”، يؤكدون في مجالسهم: “هناك مسؤولون، وهناك مسؤوليات، لكن المسؤولين لا يقومون بمسؤولياتهم كما يجب، ووفق أحكام الدستور، والقوانين المرعيّة الإجراء، بل وفق مصالحهم الشخصيّة، والفئويّة، والطائفيّة، فيما المطلوب من جانب المجموعة الدوليّة لدعم لبنان أن يكون هناك مسؤولون يضطلعون بمسؤولياتهم كما يجب، وأن يكون الجميع، من دون استثناء، تحت سقف الدستور، والقانون، والمؤسسات”.