/ علاء حسن /
نجح لبنان في تمرير الاستحقاق الانتخابي في موعده، على الرغم من الظروف الاقتصادية المتأزمة، وفي ظل تعقيدات سياسية عميقة، ومشهد إقليمي ودولي متوتر وضبابي.
تمخض عن الانتخابات مجلس جديد يحمل خريطة سياسية متنوعة، غير مستقرة على الانقسام العامودي بين 8 و14 آذار.
ولإن كانت التكهنات بعيد الانتخابات كفيلة بتضييع الناس والمراقبين على حد سواء، فقد حسم الأمر، وأصبحت كل جهة ومَن وراءها، تعلم حجمها في المجلس العتيد،والذي سوف يعيد رسم خريطة المشهد اللبناني وفق المتغيرات الجديدة التي افرزتها نتائج الانتخابات.
فعلى مستوى ما اصطلح بقوى 8 آذار، ظهر جلياً حجم الاخفاق لدى حلفاء المقاومة التقليديين في أكثر من دائرة انتخابية، من الجنوب وحتى الشمال، وهو ما سيرتب إعادة ترتيب العلاقة بين هؤلاء الخاسرين وبين جمهورهم من جهة، وبين قيادة المقاومة من جهة أخرى، هذا ما تم الهمس به في الدوائر القريبة من “حزب الله”.
أما قوى 14 آذار، بدورها ليست في منآى عن إعادة النظر في خطابها من جديد أيضاً، فقد رفض الناس الكثير من الشخصيات التي تمثل الصقور في مواجهة المقاومة، وصولاً إلى انتزاع مقعد من “القوات اللبنانية” في عقر دارها في بشري. وإن نجاح “القوات اللبنانية” في زيادة عدد كتلتها 3 مقاعد جديدة بحاجة إلى تدقيق، نظراً لحجم الدعم والمال السياسيين الذين حظيت بهما “القوات” دولياً وعربياً.
وإذا كانت المقاومة قد أمضت أربعين عاماً بين أهلها تقدم لهم الحرية والخدمات الاجتماعية، وكان من شبه المستحيل إحداث تغيير بنيوي في بيئتها، لوجود رباط عقائدي يربط بين الناس وبينها، فإن النتائج التي حققها “التيار الوطني الحر” رغم كل ما يعانيه من حصار سياسي وحملات تشويه مستمرة، يعتبر نجاحاً فعلياً قد لا يضاهيه نجاح آخر في هذه الانتخابات.
كما أن الرئيس سعد الحريري وتيار “المستقبل” تمكن من إثبات امتداداته في الشارع السني، عبر معاقبته فؤاد السنيورة وغيره من منتسبي التيار السابقين في بيروت وصيدا والشمال، ووجّه رسالة واضحة للدعم العربي الكبير الذي يعطى لـ”القوات اللبنانية”، وأصحاب هذا الدعم العربي عليهم إعادة دراسة جدوى ما قاموا به خلال الشهر المنصرم، والاتجاه نحو الواقعية السياسية في علاقاتهم السياسية القادمة.
وحده وليد جنبلاط خرج من دون ندوب من هذه المعركة، وبأهداف “نظيفة” استطاع من خلالها “البيك” تعبيد الطريق أمام تيمور لأربع سنوات قادمة، بينما يأخذ استراحة تأمل قد تفضي به إلى لحظة تخلي، لكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة!
وأخيراً، على الأحزاب التقليدية الترحيب بزملائهم الجدد التغييرين في المجلس، واعتبارهم أعضاء دائمين في الندوة البرلمانية حتى تتغير الأحوال نحو عقد سياسي جديد مجهول الملامح إلى الآن.
وعليه، يمكن القول إنه ومع انتهاء المعركة الانتخابية وتحديد أولى ملامح المجلس الجديد، فإن الأفق الماثل أمام اللبنانيين لا ينبئ بانفراجات قريبة، نظراً لعدم وجود أكثرية نيابية متّحدة تستطيع فرض المسارات، وهو ما يعني أننا أمام أفق سياسي مسدود، وعراق آخر يحمل فراغاً حكومياً قد يمتد ويتصل بفراغ رئاسي، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، الأمر الذي يعني تدويل لبنان أكثر، وأخذه نحو التسويات الإقليمية والدولية التي ستنعكس إيجاباً على الداخل اللبناني، أو توتر اقليمي سيؤدي سنشاهد شظاياه وبقية مخلفاته على الأرض اللبنانية بالتأكيد.
لذا، ليس على النواب الجدد سوى إعادة تعريف سريع وأولي لهوية المرحلة المقبلة، والاتفاق على خطوطها العريضة، لتمرير لبنان من عنق الزجاجة بأقل خسائر ممكنة، قبل أن ينهار الهيكل على رأس الجميع ولا يجد المتنافسون فتات بلد يتصارعون عليه.
وأما بالنسبة لسلاح المقاومة فقد انتهى الحديث فيه لحظة صدور النتائج الرسمية وللأمل بقية…