/ هبة علّام /
عادةً ما تُقرأ نتائج الانتخابات البرلمانية نسبةً لحجم المشاركة في عملية الاقتراع، وعلى هذا الأساس تتمّ دراسة التوجّه الشعبي والإرادة العامة للمواطنين، بعيداً عن حجم الكتل والأحزاب والمستقلّين وغيرهم.
المشاركة الكثيفة، مهما كانت نتائجها، تدلّ على حماسة لدى الناس بالتغيير أو التجديد للسلطة الحالية. بينما المقاطعة وتدنّي نسبة الاقتراع، تدلّ على مزاج شعبيّ سلبيّ يعبّر عن تململ ولا ثقة بالسلطة، مع فقدان الأمل بالتغيير.
عملياً، وفي قراءة عامة لنسب الاقتراع، بحسب التوزّع الطائفي المبني على انتماء تلك الطوائف لأحزاب معينة، فالنتيجة أتت استناداً للأسباب التالية:
– في المناطق الشيعية، كانت نسبة الاقتراع جنوباً جيدة جداً مقارنة مع الدورة السابقة العام 2018، ويرجع ذلك إلى حجم إقبال جماهير الثنائي أولاً، والمعركة الجدّية التي خاضها التغييريون ومجموعات 17 تشرين ثانياً لمحاولة كسر الثنائي في عقر داره.
أما في بعلبك – الهرمل فتراجعت نسبة الاقتراع مقارنة بالانتخابات السابقة، ولهذا التراجع أكثر من سبب: أولها، حالة التململ من الوضع المعيشي والأمني الذي تعانيه المنطقة والذي ازداد بشكل مخيف خلال الأزمة الراهنة. والسبب الثاني هو عدم قدرة الكثير من الناخبين، المتعففين عن قبول أي مساعدة، والذين يعيشون في بيروت، من الانتقال إلى قراهم في بعلبك بسبب غلاء البنزين. وهذا ما يثبت أن “الميغاسنتر” كان فرصةً ضائعة، وعدم إقراره حرم الناخبين من ممارسة حقهم الديمقراطي. أما السبب الثالث، فهو بعض العشائر التي اتخذت موقفاً رمادياً من الانتخاب. فهي أكدت وقوفها في صف المقاومة وعدم انتخابها للائحة “القوات”، بالمقابل قاطعت التصويت لصالح “الثنائي” لتسجيل موقف عن عدم الأخذ برأيها خلال الترشيحات.
– في المناطق المسيحية، كان لافتاً ارتفاع نسبة الاقتراع عن الانتخابات السابقة، وهذا الأمر حقّقه الناخبون المسيحيون “الرماديون” الذين كانوا يقاطعون الانتخابات عادةً لعدم اقتناعهم بخيار “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”. أما اليوم وجدوا في بعض وجوه المجتمع المدني والتغييريين ممثلين لهم يمكنهم أن يعبّروا عن تطلعاتهم، وهذا ما حقّق نسبة خروقات في لوائح الأحزاب في تلك المناطق. بالمقابل، انخفضت نسبة الاقتراع للحزبين المسيحيين الأقوى عن السابق، وهذا دليل أيضاً على تبدّل المزاج المسيحي، ولكن بصورة طفيفة نتيجة الأزمة والأحداث التي مرّ بها لبنان.
– في المناطق السنيّة، تفاوتت نسب الاقتراع، بعضها كان على عكس التوقّعات نتيجة مقاطعة “تيار المستقبل”، هذا التفاوت أتى بحسب قدرة حزب “القوات اللبنانية” على شراء المفاتيح الانتخابية لناخبي “المستقبل”. لذلك كانت نسبة الاقتراع منخفضة في مناطق معينة كبيروت بسبب المقاطعة، ومعتدلة في دائرة الشمال الأولى حيث تمكّنت “القوات” وحلفاؤها ومن خرج من عباءة الحريري من استقطاب الناخبين الذين كانوا عادة ينتخبون “المستقبل”، في حين انخفضت بشكل حاد في دائرة الشمال الثانية.
في المحصّلة، لم تكن نسبة الاقتراع على مستوى كل لبنان كما التوقّعات بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية والثورة، بعدما راهن الجميع على رغبة الشعب بالتغيير أو تثبيت خياراته. إلّا أن الواقع اليوم بعد انتهاء هذه الانتخابات، أثبت أن أكثر من نصف الشعب اللبناني لديه امتعاض من أداء السلطة الحالية، كما أنه لا يرى أملاً في الوجوه التي صنّفت نفسها تغييرية. الأمر الذي يجب أن يدفع القوى السياسية لمراجعة نفسها وواقعها.