/ رلى إبراهيم /
كان يفترض أن تصدر شركة “ألفاريز أند مارسال” المكلّفة بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان تقريرها منذ 9 أشهر، لكنّ العراقيل والمشكلات المفتعلة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزارة المالية وعدم الاستجابة لطلباتها أدّت إلى تأخّر عملها. رغم ذلك، أعدّت الشركة تقريراً مبدئياً من نحو 330 صفحة حول نتائج التدقيق في حسابات مصرف لبنان وأنشطته وسلّمته إلى وزير المال يوسف خليل منذ أكثر من أسبوعين. إلا أن الأخير احتفظ بالتقرير لنفسه من دون أي تبرير، ولم يسلّم أي نسخة منه إلى مجلس النواب أو مجلس الوزراء رغم أن نتائج التقرير تمسّ مباشرة بمصلحة الدولة وشعبها. فالغاية من تكليف الشركة التي تقاضت نحو 2,5 مليون دولار لإعداد التقرير، كانت كشف مكامن الهدر والفساد في المصرف المركزي حيث بلغت الفجوة المالية نحو 72 مليار دولار. وبالتالي، يفترض بعملية التدقيق الجنائي أن تصل إلى خلاصات جنائية توصّف الجرم وتحدد المسؤولين عنه ووسائل ارتكابه، وتسهّل مهمة إعادة الهيكلة وتوزيع الخسائر عبر الكشف تفصيلياً وبشكل محدد عن الفجوة المالية، فضلاً عن ارتباط التحقيق في جزء كبير منه بالملفات القضائية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركائه في لبنان والخارج.
وعلمت “الأخبار” من مصادر مطّلعة أن التقرير يتضمن معلومات عن شركة “فوري” المملوكة من شقيق الحاكم، رجا سلامة، والمتهمة بتبييض 330 مليون دولار من أموال مصرف لبنان بالتواطؤ بين الشقيقين. وقد يكون هذا واحداً من الأسباب الكثيرة التي تمنع وزير المال المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري من الكشف عن التقرير. الوزير السابق سليم جريصاتي الذي أشرف بتكليف من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون على ضمان وصول التدقيق إلى خواتيمه، قال لـ”الأخبار” إن تواصله مع وزير المال منذ نحو 15 يوماً “وصل إلى حائط مسدود بعد مماطلة ووعود بإرسال نسخة من التقرير المبدئي للاطّلاع عليه كون الرئيس عون كان عرّاب التدقيق، وحجته أنه لا يستطيع تحمّل نتائج تسليم التقرير أو الكشف عن خلاصته الجرمية”. وأكّد جريصاتي أن خليل قال بشكل واضح إن “ثمة من يمنعه من نشر التقرير”.
وحتى الساعة يواصل وزير المالية التغطية على ارتكابات الحاكم وعلى نتائج تقرير حول سرقة ودائع اللبنانيين والمال العام وصولاً إلى الاشتراك في إخفاء معلومات حول هذه الجريمة المتعلقة مباشرة بالمال العام، ويمتنع عن تسليم نسخة من التقرير إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو إلى أي جهة قضائية. علماً أن السلطة السياسية لم تكن أساساً مؤيّدة لهذا التدقيق ووضعت عراقيل في طريقه منذ البداية، إلا أن إصرار عون عليه، خصوصاً غداة الأزمة الاقتصادية، ساهم في إطلاق العملية. رغم ذلك، واصل سلامة وضع العراقيل أمام الشركة التي فسخت العقد الأول في تشرين الثاني 2020 بسبب امتناع الأخير عن تسليم بيانات طلبت الاطّلاع عليها بذريعة السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف.
وغطّاه في ذلك إسقاط رئيس مجلس النواب صفة العجلة عن اقتراح قانون معجل مكرر لتمديد العمل بالقانون 200/2020 (تعليق العمل بأحكام قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3/9/1956) ريثما تُنهي الشركة مهمتها، ما كبّد الدولة مبلغ 150 ألف دولار. وبعد سنة، في أيلول 2021، وُقّع عقد ثانٍ مع الشركة نفسها، إلا أن الحاكم واصل رفض تلبية طلباتها واستخدم نقابة موظفي مصرف لبنان في معركته لثني “ألفاريز أند مارسال” عن البدء بعملها، ما أدى إلى تأخير عمل الشركة مجدداً، إلى أن تمكّنت من المباشرة بإعداد التقرير الذي كان يفترض أن يصدر في أيلول 2022. إلا أن ممارسات الحاكم ورعاته حالت دون الحصول على المستندات والبيانات في وقتها. وما حُددت مدته بـ4 أسابيع احتاج إلى نحو سنة ونصف سنة لكي تضع الشركة تقريرها المبدئي الذي يحمل خلاصة جرمية عن كل المرحلة السابقة وسلّمته إلى وزارة المال كونها الجهة الموقّعة للعقد. ومذّاك يمتنع وزير المال عن نشره أو تسليمه استناداً إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات، علماً أن التدقيق في مصرف لبنان هو أول الغيث ويفترض أن يمتد إلى سائر الإدارات والوزارات العامة لكشف مكامن الهدر في كل دهاليز الدولة اللبنانية.
المدير العام للوزارة جورج معراوي قال إنه “الجهة الخطأ” للرد على الاستفسارات محيلاً “الأخبار” إلى وزير المالية الذي لم يرد على الاتصالات المتكرّرة.