/محمد حمية/
لا يُحسد النائب جبران باسيل على موقفه في الملف الرئاسي، فهو الخارج منهكاً من حرب ضروس داخلية – وخارجية منذ العام 2019، ولازالت حتى الآن، ضعّضعت بيته الداخلي وخلّخلت تحالفاته السياسية وأبقته مجرداً من حلفائه باستثناء حزب الله، كما أتعبت مؤسس التيار الجنرال ميشال عون وأصابته بـ”القرف” في نهاية عهده الذي انقضّت عليه أغلب القوى السياسية، وعلى رأسهم شريك “تفاهم معراب”.
يقف باسيل اليوم أمام خيارات صعبة أحلاها مُرّ.. فهو يدرك أن حظوظه للرئاسة معدومة في هذه الولاية، وكل الكتل المسيحية يناصبونه الخصومة، وساءت علاقته مع حليف الحليف الشيعي الرئيس نبيه بري، ويخوض معركة الصلاحيات والميثاقية مع رئيس الحكومة السني نجيب ميقاتي ومع عين التينة، ويواجه جبهة أميركية ـ خليجية مدججة بالعقوبات السياسية والمالية لم تنجح مكاتب المحامين المكلفين من قطر بتبييض سجله ورفع العقوبات التي فرضتها واشنطن عليه.
لا شك أن هذه الهجمة المزدوجة على “التيار العوني” لم تفتّ في عضده المسيحي، بل قَوّته وحولته الى حامي للموقع المسيحي الأول وصلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق الطائفة في الدولة، لكنه في الوقت نفسه يواجه “الطلاق الرئاسي” مع حليفه الوحيد – حزب الله، بعد اتهامه للحزب بـ”قلة الصدق والوعد” قبل أن يعود ويرمم هذا الالتباس بعد رسالة شديدة تلقاها من الضاحية مفادها: “تعديت الخطوط الحمر”.
قد يكون باسيل على حق بالكثير من مواقفه وخطواته كونه الممثل الأكبر على الساحة المسيحية، لكن التاريخ السياسي يثبت بأن لا أحد ينتصر في نهاية الحروب، بل ان التسويات في نهاية المطاف هي المنتصرة وتفرض نفسها على الجميع.. وقد يستطيع باسيل اللعب في الوقت الضائع لتغيير أو تعديل الرياح السياسية الخارجية القادمة، لكنه لا يستطيع الوقوف في وجه مدّ التسوية التي ستطبخ في الخارج ويجري تخريجها في الداخل، والتي قد توصل قائد الجيش العماد جوزاف عون، أو غيره، من المرشحين الوسطيين الى بعبدا.
هذا الواقع يضع باسيل أمام خيارات صعبة:
الأول، يقتنع برؤية حزب الله بدعم رئيس “المردة” سليمان فرنجية، مقابل أن يُسجل كدين في “رقبة الضاحية” تسدده إلى الرابية بعد ست سنوات تكون حينها قد تغيرت الظروف الاقليمية والدولية وربما المحلية، تعبد الطريق أمام باسيل الى بعبدا، طالما أن مستقبله السياسي أمامه. لكن هذا مستبعد حتى الساعة في ظل رفض باسيل القاطع لفرنجية ولأي مرشح لا يتوافق والرؤية العونية للمرحلة المقبلة.
الثاني، أن يرفع السقف السياسي أمام الضاحية ويلعب على حافة الهاوية ويهدد العلاقة مع الحزب عبر دعم ترشيح شخصيات مستفزة لحارة حريك ومدعومة أميركياً وخليجياً، كالنائب ميشال معوض، أو أقل استفزازاً مثل الوزير السابق جهاد أزعور، وبالتالي ينجح عبر حراكه الخارجي أو اتفاق “تحت الطاولة” مع واشنطن بتعطيل أي تسوية لايصال فرنجية، وهذا مستبعد أيضاً، كونه يدرك مخاطر الطلاق السياسي مع الحزب. فهل يفعلها باسيل؟
الثالث، أن يتقبّل الأمر الواقع بالتنسيق مع الحزب أو من دونه، ويؤمن النصاب والميثاقية المسيحية لانتخاب فرنجية رئيساً وينتقل الى ضفة المعارضة للعهد، ويكون بذلك تبادل الأدوار مع فرنجية الذي عارض عهد عون منذ البداية.
الرابع، أن يفاجئ باسيل الجميع ويرشح أحداً من كتلته النيابية، كالنائبة ندى بستاني وغيرها، وهذا مستبعد لأنه سيؤدي الى النتيجة نفسها.
الاحتمال الأخير والمرجح، أن تنجح الحارة والرابية عبر لقاء على مستوى السيد حسن نصرالله والرئيس ميشال عون وربما باسيل، في ادارة الخلاف حول الملف الرئاسي، إما السير بفرنجية بتزكية عونية ضمن اتفاق سياسي على المرحلة المقبلة، وإما على مرشح توافقي بين الثنائي حركة أمل وحزب الله وثنائي عون – باسيل، والأسماء كثيرة في هذا السياق: ناجي البستاني وفريد الخازن وزياد بارود وما يوازيهم.
لكن السؤال الذي يُحيّر المحللين: هل يسير الحزب بفرنجية أو بمرشح آخر من دون التنسيق وموافقة باسيل؟
من المبكر أن ينحرف الحزب عن ضوابط العلاقة مع التيار، وهو الذي جمد الرئاسة عامين ونيف لايصال الرئيس عون للحفاظ على تحالف مار مخايل.. فكيف سيتخلى عن حليفه عند أول مفترق سياسي؟ فالحزب يدرك أنه، وعلى الرغم من رمزية فرنجية بالنسبة للمقاومة والعلاقة مع سوريا، لكن التيار الوطني الحر يبقى الحزب المسيحي الوحيد الذي تربطه بالحزب علاقة وطيدة في ظل خصومته الشديدة واللدودة مع حزبي القوات اللبنانية والكتائب، وبالتالي فإن أي دعسة ناقصة في العلاقة مع التيار ستهدد تحالفه المسيحي ويقطع حبل “الصرّة المسيحي”، والحزب لا يريد أن يربح العلاقة مع فرنجية الجناح المسيحي الحليف ويخسرها مع الجناح الآخر.
في المقابل يدرك باسيل ما يختلج في خزان أفكار “الحارة”، ويراهن على أن الحزب سيعد للألف قبل أن يسير بمرشح لا يرضى عنه، ويدرك أيضاً العواقب الوخيمة للانفصال عن الضاحية.