“حرب المواصفات” الرئاسية: استدراج عروض لتدخل خارجي مكلف!

/ جورج علم /

يقول رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ قاسم صفي الدين إن “لبنان الماضي انتهى، ولبنان الجديد يحتاج إلى صياغة قائمة على قوّة، وقدرة، وعزم، وإرادة، وعلى فكر، وتفاهم، وحوار. لكن كلّ هذا بحاجة إلى قوّة، وموقع القوّة هو الذي يعطي لهذا البلد المستقبل، ويمكن أن يحقق لنا وضعاً اقتصاديّاً مريحاً، وأن يفتح لنا الأبواب في مستقبل الأيام”.

ويقول رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “إن أي تفاهم مع حزب الله ، وحلفائه، على  أي رئيس للجمهوريّة، يعني أننا نتجه من سيء إلى أسوأ، وتخبزوا بالأفراح. نريد رئيس تحدّ، ليس بالمعنى الشخصي للكلمة، إنما إذا لم نأت برئيس يتحدّى سياسات جبران باسيل، وحزب الله، فكيف سيتم الإنقاذ؟!”.

يضيف: “أول شي بدو يكون رجّال، ويجب أن يكون سياديّاً”.

هذا بعض من ما عندنا.

وبداية الحروب كلام. والكلام هنا طافح بالتناقضات، لم تعد المواصفات حكراً على الرئيس، وشخصيته، وانتمائه، وأهليته، بل تعدته الى الوطن، والكيان، والنظام، والدستور، والطائف، والصيغة، والميثاق…

لم تعد المشكلة مقتصرة على مواصفات الحصان الذي يفترض وضعه أمام العربة، بل يجب التفاهم أولاً على شكل العربة، ووظيفتها، ومقاييسها، ومواصفاتها، للتفاهم في ما بعد على مواصفات الحصان! والتفاهم يحتاج إلى الحوار، والحوار يفترض أن يقود الى تفاهم حول تسوية، والتسوية غالباً ما تتطلّب تنازلات متبادلة من جانب الشركاء المتحاورين. لكن سمير جعجع أقفل الباب، يريد رئيساً يتحدّى سياسات جبران باسيل، و”حزب الله”. فكيف يكون الملاذ؟

والحقيقة أن جعجع يغرف من واقع الحال، بمعنى أن “سيّارة الحوار مش عم تمشي، وبدّا حدا يدفشها دفشة”. إنها معطّلة منذ زمن. هناك دعوة من رئيس الجمهورية، موجّهة قبل أشهر عدّة، وهناك رفض لها بحجة أن الحوار إنما هو تعويم لعهده، والغالبيّة لا تريد التعويم، حتى ولو وصل البلد الى القعر، وقد بلغناه، فيما عربة الحوار لا تزال معطّلة، وقد حاول زعيم “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط “دفشها دفشة” بانفتاحه على “الحزب”، إلاّ أن جعجع سارع إلى القول: “نحن أصدقاء، إلاّ أننا في مسألة رئاسة الجمهوريّة لا نلتقي، فجنبلاط لديه سياساته، ونحن لدينا سياساتنا، لأننا نعتبر النقاش مع حزب الله، في ما خصّ الرئاسة، يعدّ عوداً على بدء!”.

وأيضاً هناك حجة لدى الرئيس ميشال سليمان تقول بأن الحوار في عهده قد نجح، وأدى إلى “إعلان بعبدا”، وفي “الإعلان” هذا، تفاهم حول “الإستراتيجيّة الوطنيّة الدفاعيّة”، إلاّ أن “حزب الله” تنصّل، وراح يطبّق “استراتيجيته الخاصّة به، من دون الوقوف على خاطر الشركاء في الوطن!”.

الآن يريد “الحزب” الحوار، لكن حول لبنان الذي يريده، ويسعى للوصول اليه بشتى الوسائل والإمكانات. كما يريد حواراً حول اسم الرئيس، وميوله، ومؤهلاته. حوار طبقاً للمواصفات التي عدّدها السيّد صفي الدين. لكن ما يريده، لا تتطابق مواصفاته مع تلك التي يريدها آخرون شركاء، وهذا ما يعمّق الهوّة، ويزيد التباعد…

البطريركيّة المارونيّة، وبخلاف جعجع، مع الحوار، وأبواب بكركي، والديمان مشرّعة أمام الجميع، لكنها مع حوار جامع، مسؤول، هادف، يؤدي فعلاً إلى تفاهم حول العربة وحصانها، لوضع الحصان أمام العربة، لا العكس. ومثل هذا الحوار المنشود له أصوله، وقواعده، ومستلزماته، وهي غير متوافرة، ولا يمكن أن تتوافر مع منطق، الترهيب، والتخوين، والتحقير، والتشكيك.

ومع غياب المواصفات المطلوبة لحوار جدّي، مسؤول، تبقى البدائل صادمة، انهيار من دون ضوابط. حكومة مستقيلة. وزراء كلّ يغنّي على ليلاه. هوّة عظيمة ما بين الشعب والمسؤولين. وتقاذف نعوت، واتهامات، ما بين قادة، ورؤساء كتل، وأحزاب، وفعاليات، فيما هي متفاهمة متضامنة على نهب ما تبقّى، غير عابئة بوجع الناس، وتحاول أن تمرّر الأيام الفاصلة عن الموعد الدستوري، عن طريق المزايدات، والمناكفات، و”الحركة من دون بركة”، بإنتطار الوحي الخارجي. والكل يراهن على الخارج  لمعرفة تقلّبات الريح قبل الصعود إلى مركب الإستحقاق.

والخارج لديه أجنداته، وأولوياته الضاغطة. لم يعد القادر المقتدر من الدول، على وفرة، وقدرة لمواجهة “جوائح” الجوع، والطاقة، وفيروس “كورونا” ومشتقاته.

أوروبا منشغلة بحروبها في أوكرانيا، والتداعيات المتناسلة بدأت تشظّي مجتمعات القارّة، فيما الحكومات مذعورة، وفي سباق مع الوقت لتوفير السلّة الغذائيّة، والحدّ الأدنى من الضمانات الحياتيّة، تجنباً للانفجار الكبير.

الولايات المتحدة، تؤجج الجبهات قبل الدخول في فلك الإنتخابات النصفيّة للكونغرس. جبهة مفتوحة مع إيران على خلفية اتهامات باستهداف كل من وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون. جبهة مع روسيا مفتوحة في أوكرانيا. جبهة مع الصين حول تايوان. جبهة مع الشرق الأوسط حول الطاقة.

ويبقى أن الخارج بحاجة الى إستدراج عروض للتدخل، فهل يقدمها اللبنانيّون على طبق من الأحمر القاني؟!