أطفال لبنان بلا حليب.. والأزمة بلا حلّ!

/ هبة علّام /

الأزمات المتلاحقة التي تُكبّل اللبنانيين وباتت تخنق حياتهم، إضافة إلى الشلل الذي يصيب الدولة بكل مفاصلها ومؤسساتها، وصلت إلى الأطفال الرضّع وحليبهم، الغذاء الوحيد لهم، فضلاً عن ما يعانيه مرضى الأمراض المستعصية من فقدان الأدوية وأدوات العلاج.

اليوم، تُطلق الأمهات صرخة استغاثة موجعة علّها تهزّ ضمائر بعض من بقي في جعبتهم جزء بسيط من الإنسانية.

أمهات يعشن حالة رعب يومية، بسبب فقدان كل أنواع الحليب وأرقامهم من السوق. إحداهن، وخلال استطلاع أجراه موقع “الجريدة”، قالت إنها منذ يومين تُطعم رضيعها “اليانسون”، فهي حتى الساعة لم تجد علبة حليب واحدة، خصوصاً أن طفلها يحتاج إلى حليب مخصّص من نوع”AR” .

البعض أيضاً ممن أحوالهم الماديّة جيدة، بات يستورد الحليب من الخارج، فيما يعاني آخرون من أوضاع معيشية صعبة ولا يمكنهم شراء الحليب إلا “علبة علبة”.

المؤسف أيضاً، أن قذارة ممتهني السوق السوداء، دخلت عالم الأطفال وصحّتهم. وقد كشف بعض الأهالي عن وجود “مجموعات واتساب” تقوم بعرض حليب الأطفال المقطوع الذي كان أصحابه قد خزّنوه ولكن بأسعار مضاعفة، مستغلّين حاجة الأمهات لذلك، فيما وزارتا الاقتصاد والصحة غائبتان عن السمع، لا من يراقب أو يحاسب.

المعلومات تؤكد أن المشكلة في ملف تأمين حليب الأطفال في الأسواق، ليست مشكلة استيراد، وهي طبعاً ليست مشكلة مالية، لاسيما أن الحليب لم يعد مدعوماً. وفي هذا الإطار، علم موقع “الجريدة” أن شحنة الحليب المستورد متوقّفة منذ مدة في مرفأ بيروت، وهي تنتظر كشف وازرتي الصحة والاقتصاد والتأكّد من مطابقتها للمواصفات كي يتم إصدار أذونات وتراخيص  خروجها إلى السوق.

 

لكن إضراب موظفي القطاع العام، ومنهم موظفو وزارتي الصحة والاقتصاد، جمّد الشحنة مكانها، وهي اليوم رهن هذا الإضراب، فيما الأطفال بلا طعام والأهالي يستغيثون.

ماذا يفعل المعنيون في هذا الملف، والذين يقع على عاتقهم كل ما آلت إليه الأمور ويتحمّلون مسؤولية التراخي في معالجة المشكلات، فيما الصرخة تعلو والوضع أصبح خارج السيطرة؟

رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور بلال عبدالله، أكد أن اللجنة تتابع الأمر، سواء فيما يختص أزمة حليب الأطفال أو الأدوية بشكل عام.

ولفت عبدالله في حديث لموقع “الجريدة”، إلى أن اللّجنة بتواصل يومي مع وزارة الصحة لإيجاد الحلول التي اعتبرها مؤقتة، جازماً أن لا حلول جذرية في الوقت الراهن.

وحول إمكانية مساءلة وزير الصحة فراس الأبيض، والذي حاولنا التواصل معه من دون جدوى، لجهة إيجاد طريقة ما للإفراج عن شحنة الحليب، أشار عبدالله إلى أن الوزير لا يمكنه التصرف في هذا الأمر، فلا بد من مرور البضائع أمام لجنة المراقبة والفحوصات المخبرية، وبالتالي تسيير الشحنة من دون ذلك ليس من اختصاصه.

واعتبر عبد الله أن أزمة الدواء والحليب باتت خطيرة وكبيرة، لاسيما أن بعض المرضى توفوا بسبب فقدان الدواء والعلاج، كاشفاً عن اجتماع ستعقده اللجنة الأسبوع المقبل مع وزير الصحة والمعنيين لمتابعة إيجاد الحلول الممكنة. وشدّد على أن الأزمة لا يمكن تجزئتها، فالحلّ يبدأ بمعالجة جزء من مشكلة القطاع العام عموماً، وبالتالي كل ما يمكن اللجنة فعله هو الضغط في هذا الاتّجاه.

ينتظر الأطفال عودة الموظفين إلى عملهم، وأن ترأف السلطات بحالهم وتجد الحلول اللازمة لإعطاء القطاع العام حقوقه. وحتى ذلك الوقت يبقى التكافل الاجتماعي سيد الموقف بين الأهالي لإيجاد ما يطعمون به أطفالهم.

في المحصلة، يمكن توصيف الأزمة بالمعادلة التالية:

الأطفال بلا حليب، والحليب في المرفأ، والمرفأ بلا موظفين، والموظفون يريدون زيادة الرواتب، والحكومة تربط الزيادة برفع الدولار الجمركي، والدولار الجمركي عالق في المرفأ…!