/ جورج علم /
إلتأم شمل “التشاور العربي” في بيروت على وقع تحولات كبرى في المنطقة، لا يمكن تغافل انسيابها، والتغاضي عن نتائجها:
- عودة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المملكة العربيّة السعوديّة للمصالحة، والإقرار بدورها، وأهميتها الإقليميّة، والدوليّة، خصوصاً على مستوى الطاقة، وفي عز “حرب الغاز” المفتوحة ما بين المحور الأميركي ـ الأوروبي ـ الدولي، ضد الروسي، بعدما تحوّلت أوكرانيا إلى خط مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات.
- السعي لقيام “حلف ناتو عربي ـ إقليمي”. والموضوع سيكون مدرجاً على جدول أعمال المحادثات التي سيجريها بايدن في الرياض مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي أولاً، ثم مع القادة الخليجييّن بحضور الرئيس المصري، والملك الأردني، ورئيس الوزراء العراقي، على أن يكون هذا الحلف بقيادة الولايات المتحدة، ومشاركة إسرائيل.
- توقع ما سيطرحه الرئيس الأميركي من أفكار خلال زيارته لكل من تل ابيب، ورام الله، لمعالجة القضية الفلسطينيّة، وحلّ الدولتين.
- التوسع في معرفة الآفاق التي بلغها الحوار السعودي ـ الإيراني في بغداد بضيافة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والذي كانت له جولة سريعة قبل أيام شملت الرياض وطهران بهدف تفعيله، والتوصل الى تفاهمات حول معالجة بعض الأمور الملحة والحساسة.
على وقع هذه المستجدات، وغيرها، يكتسب “حوار العرب في بيروت” أهميّة قصوى في هذه المرحلة المفصليّة الحساسة من تاريخ لبنان، المتروك على خط تماس إقليمي ـ دولي طافح بالمتغيرات.
يقول محدّثي العربي:
أهميّة الاجتماع، أن بيروت ستسمع كلاماً عربيّاً حول لبنان، في هذه المرحلة الحساسة، والحبلى بالمستجدات.
بداية، لا يمكن “تعظيم” هذا اللقاء، بمعزل عن من حضر، ومن غاب من وزراء الخارجيّة، كما لا يمكن “التقليل” من شأنه.
في الماضي، عندما كان في لبنان مؤسسات ناشطة، وقطاع مالي ومصرفي يركن له، كان التعويل محدوداً، والدعم مشروطاً.
اليوم، وعلى الرغم من الأوضاع الكارثيّة، لا أحد من اللبنانييّن يأمل بدعم “حاتمي”، أو بمساعدات “غير مسبوقة”، وهذا ما تعكسه حركة الشارع حيث نرى المواطن مأخوذاً بتوفير رغيف الخبز لعائلته، وينظر بعدم الاكتراث إلى ما يجري في عاصمته، ربما لقناعة ذاتية لديه بأن مثل هذه الاجتماعات، لا يعوّل عليها، ولا يؤمل منها الكثير.
وتبقى هذه المقاربة لافتة كونها تنطلق من نقيضين: فمن جهة، المواطن على حق، وهناك الكثير الذي يمكن أن تقدمه الدول العربيّة للبنان، ولم تفعل لأسباب تتصل بمصالحها. ومن جهة أخرى، هناك حاجة لدى البعض بأن يقال كلام عربي في لبنان، العضو الفاعل والمؤسس لجامعة الدول العربيّة، لأنه على الرغم من وهنه، وتصدّعه، يبقى موئل حريّة، وساحة تلاق، ومساحة حوار، ومختبر تفاعل الحضارات، وهذه ميزات مصقولة بالتجارب المكلفة عبر التاريخ، وربما هذا ما دفع البابا يوحنا بولس الثاني إلى وصفه لبنان بـ”وطن الرسالة”.
تتيح بيروت للمجتمعين العرب أن يؤكدوا، سواء بحضورهم أو من خلال مناقشاتهم، فعل إيمان بلبنان، ويتحزّبوا لعروبته، ويتفقدوا ساحته المفتوحة أمام شتى أنواع الرياح والأعاصير الدافقة من المنطقة، ويتحسّسوا روح المسؤولية حيال ما يمكن عمله، والإقدام عليه، لحماية العروبة، وصون الكيان من الانزلاق نحو الارتطام الكبير.
لا يملك لقاء بيروت التشاوري ورقة عمل، وبالتالي هو غير مقيّد بجدول أعمال، أو بمشروع بيان ختامي، وهذا ما يحرّر المجتمعين من القيود البروتوكوليّة، ويغني النقاش بنفحات من الحريّة، ومقاربة لبّ المشكلات بجرأة، بعيداً عن التصنع، والممالقة، ويتيح الفرصة الغنيّة بالخرائط الجديدة، والتحالفات، والتطلعات المستقبليّة، كي يقول العرب رأيهم في المرحلة المصيريّة التي يجتازها لبنان، وهل هو حاجة عربيّة ليستمر، أم لا حاجة للعرب به بعد الآن، وعليه أن يتدبّر أمره، و”يقلّع شوكه بيديه”؟!
وحول هذه النقطة بالذات، يقول محدّثي العربي بأن لبنان حاجة، وله مكانة في جامعة الدول العربيّة، ولذلك جاء العرب الى عاصمته ليستمع بعضهم، للبعض الآخر، وما عندهم من تحديات، وتطلعات. جاؤوا للاطلاع على أبعاد المرحلة الانتقاليّة، وما تختزن من استحقاقات، وفي الطليعة انتخابات رئاسة الجمهوريّة، والشروع بمقاربة جديدة حول إمكانية تقديم العون والمساعدة على تجاوز المطبّات، والمعوقات، تحت شعار “الأقربون أولى بالمعروف”، وإذا كانت الحالة اللبنانيّة بحاجة فعلاً إلى صديق خارجي يُستعان به، فالأجدى أن يكون عربيّاً قبل أن يكون فرنسيّاً، او أوروبيّاً، او أميركيّاً، أو من جنسيات أخرى.
ويضيف محدّثي أن لقاء بيروت التشاوري حاول التقريب بين الضرورات اللبنانيّة، والضرورات العربيّة ـ الخليجية، بمعنى أن التشاور حول “الناتو” العربي ـ الإقليمي مفيد، وضروري لتوضيح كل التباس، وفي رأس هذه الالتباسات سؤال كبير: هل من “ناتو” عربي، بمشاركة إسرائيل، ممكن، ومستحب قبل معرفة مصير القضية الفلسطينيّة، ومعرفة مصير حل الدولتين؟ ثم كيف يمكن أن يكون هذا، ولبنان مثقل بوزر القضية من خلال اللاجئين، ومخيمات الفقر؟ وكيف السبيل إلى التوفيق ما بين دعوة اللبنانيين “أن يساعدوا أنفسهم، كي يساعدهم الآخرون”، وبين “سعي الآخرين الى دمج مليون ونصف المليون لاجئ سوري في البلد المضيف لبنان؟!”.
… في بيروت كلام عربي ـ بصيغة التشاور ـ في فترة مفصليّة يجتازها لبنان والعرب… فهل من جدوى، أم يبقى الكلام … مجرّد كلام؟!…