الأحد, ديسمبر 7, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderالبندورة تكوي الجيوب.. الكيلو بـ300 ألف ليرة!

البندورة تكوي الجيوب.. الكيلو بـ300 ألف ليرة!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

 

تشهد الأسواق اللبنانية منذ أسابيع ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الخضار، وتحديداً سعر البندورة، إذ لامس سعر الكيلو منها عتبة الـ300 ألف ليرة في بعض المناطق، ما أثار استغراب المستهلكين الذين اعتادوا على وفرة هذا المنتج وانخفاض أسعاره في مثل هذه الفترة من العام.

غير أن خلف هذا الارتفاع المفاجئ تقف سلسلة من العوامل الزراعية والاقتصادية المعقّدة، تبدأ بالخسائر الكبيرة التي مُني بها المزارعون خلال موسم الصيف، مروراً بتراجع المساحات المزروعة، وصولاً إلى محدودية الإنتاج الحالي داخل البيوت البلاستيكية.

فبعد أشهر من البيع بأسعار متدنية لم تغطِّ حتى كلفة الإنتاج، اضطر العديد من المزارعين إلى وقف جني محاصيلهم أو الامتناع عن إعادة زراعة البندورة مجدداً، ما أدى إلى تراجع في المعروض خلال الخريف. وفي ظل استمرار الطلب المحلي المرتفع، انعكست هذه الفجوة مباشرة على الأسعار في الأسواق، التي سجّلت زيادات متفاوتة بين المناطق اللبنانية.

أزمة البندورة ليست معزولة عن الواقع المعيشي العام. فاللبنانيون يواجهون منذ أشهر موجة غلاء طالت معظم السلع الغذائية، ومن بينها الخضروات الأساسية، ما جعل شراء الخضار اليومية عبئاً إضافياً على ميزانيات الأسر التي تعاني أصلاً من ارتفاع كلفة المعيشة وتراجع القدرة الشرائية.

ومع تقلّب الأسعار بين منطقة وأخرى، باتت البندورة  وهي من أبسط المكونات في المائدة اللبنانية، رمزاً جديداً لأزمة الأسعار المستمرة.

وسط هذه التطورات، يبرز موقف رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين في لبنان، إبراهيم ترشيشي، الذي يقدّم قراءة واقعية لأسباب الأزمة الراهنة، موضحاً خلفياتها الزراعية ومتوقعاً مسار الأسعار خلال الأسابيع المقبلة، مع تأكيده أهمية الحفاظ على استمرارية هذا القطاع الحيوي في وجه التقلبات الدورية التي تعصف بالزراعة اللبنانية.

وفي حديث لموقع “الجريدة”، قال ترشيشي إن “الارتفاع الملحوظ في أسعار البندورة خلال الأسابيع الأخيرة ليس مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لتراجع الإنتاج بعد موسم صيفي صعب تكبّد فيه المزارعون خسائر فادحة”.

وأوضح ترشيشي أن المزارعين خلال فصل الصيف اضطروا لبيع محاصيلهم بأسعار زهيدة لم تتجاوز في معظم الأحيان عشرة آلاف ليرة للكيلوغرام، في حين كانت كلفة الإنتاج أعلى من ذلك بكثير.

وأضاف أن هذا الواقع دفع بالكثيرين إلى التوقف عن قطف محاصيلهم أو حتى إتلافها، ما أدى إلى انخفاض في المعروض المحلي خلال الخريف الحالي.

وأشار إلى أن زراعة البندورة تحتاج إلى فترة تقارب الشهرين حتى تنضج، ومع الهبوط الكبير في الأسعار خلال الصيف، تردّد عدد كبير من المزارعين في إعادة زراعتها مجدداً، ما تسبب في فجوة في الإنتاج خلال الخريف.

ولفت ترشيشي إلى أن القسم الأكبر من الإنتاج المتوافر حالياً يأتي من البيوت البلاستيكية ومن مناطق يتراوح ارتفاعها بين 500 و700 متر عن سطح البحر، موضحاً أن هذه الكميات تبقى محدودة مقارنة بحاجات السوق.

وتوقع أن تشهد الأسعار بعض الانخفاض مع نهاية الشهر الجاري، تزامناً مع بدء جني محاصيل الساحل ودخول كميات أكبر إلى الأسواق، ما قد يعيد التوازن تدريجياً بين العرض والطلب.

وفي المقابل، اعتبر أن ارتفاع الأسعار الأخير شجّع عدداً من المزارعين على العودة إلى زراعة البندورة للاستفادة من تحسّن السوق، مشدداً على أن الزراعة بطبيعتها قطاع متقلب يخضع لتغيرات موسمية، والمزارع الواعي هو من يتعامل مع هذه الدورة بمرونة.

ولفت إلى أن من باع محاصيله لأكثر من أربعة أشهر بخسارة يستحق اليوم أن يستفيد من فترة وجيزة بأسعار أفضل، مؤكداً أن الأهم هو أن تبقى زراعة البندورة مستمرة في لبنان، لأنها جزء أساسي من دورة الإنتاج الزراعي المحلي.

في المحصلة، تبدو أزمة البندورة مرآة مصغّرة للأزمة الاقتصادية والزراعية التي يعيشها لبنان منذ سنوات. فارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة ليس سوى نتيجة طبيعية لاختلال المنظومة الإنتاجية وغياب الدعم الحقيقي للمزارعين، الذين يتحملون الخسائر في مواسم الوفرة، فيما يدفع المستهلك الثمن في فترات الشح.

وبين نار الغلاء وضيق الحال، يجد اللبناني نفسه اليوم أمام مفارقة مؤلمة: البندورة، رمز البساطة في المائدة المحلية، تحوّلت إلى سلعة تثقل كاهله كما أثقلت كاهل المزارع.

ويبقى الأمل بأن تشكّل هذه الأزمة جرس إنذار لإعادة الاعتبار إلى القطاع الزراعي، عبر سياسات تدعم الإنتاج المحلي وتوازن بين مصلحة المزارع والمستهلك، حتى لا تبقى لقمة اللبناني رهينة تقلبات السوق وغياب الرؤية الاقتصادية.

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_copy_c

 

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img