وُضع ملف النساء اللبنانيات وأطفالهن المحتجزين لدى “قوات سوريا الديمقراطية” ـ “قسد”، في مخيم “الهول” في شمال شرق سوريا، قيد النقاش لمعالجته، في لقاء هو الأول من نوعه منذ سنوات، خلال استقبال المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء حسن شقير، في 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفدًا من “قسد” في مقرّ الأمن العام ببيروت.
ضمّ الوفد الكردي مدير جهاز الاستخبارات في “قسد” وعددًا من أعضاء الجهاز، إضافة إلى ممثّل “الإدارة الذاتية” في لبنان عبد السلام أحمد. وقد حمل الوفد طلبًا رسميًا لعقد لقاءات مع مسؤولين حكوميين لبنانيين من وزارات الداخلية والخارجية والشؤون الاجتماعية، بهدف توسيع النقاش حول ملف العائلات اللبنانية في مخيم “الهول”. إلا أن السلطات اللبنانية رفضت الطلب وأصرّت على حصر اللقاء ضمن دائرة الأمن العام فقط، حفاظًا على الطابع التقني للاتصال، وتجنبًا لأي مظهر سياسي قد يُفسّر كاعتراف رسمي بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، أو كخطوة تستفزّ دمشق وأنقرة.
وأكدت مصادر لبنانية معنية إن “القرار اللبناني واضح: لا علاقة سياسية أو رسمية مع قوات سوريا الديمقراطية، والتنسيق محصور بالملف الإنساني فقط”، مشيرة إلى أن بيروت أبلغت دمشق مسبقًا بخلفية اللقاء وأهدافه.
وطالب الجانب اللبناني بإعادة 11 امرأة لبنانية متزوجات من عناصر تنظيم “داعش”، ومعهن 22 طفلًا يعيشون منذ سنوات في ظروف قاسية داخل المخيم الذي يضم آلاف النساء والأطفال من عائلات مقاتلي التنظيم .وأبدى وفد “قسد” استعدادًا للتعاون، لكنه شدّد على أن أي عملية نقل تحتاج إلى تنسيق مسبق مع قوات التحالف الدولي والسلطات المحلية في شمال شرقي سوريا، إلى جانب موافقات متعددة الأطراف تشمل العراق وتركيا والأردن، ما يجعل التنفيذ معقدًا من الناحية اللوجستية والسياسية.
كما تواجه العملية عقبات تتعلق بهوية بعض الأطفال المولودين داخل المخيم من آباء مجهولين، ما يستدعي إجراء فحوصات حمض نووي لتحديد جنسياتهم قبل إعادتهم. وتشير المعلومات أيضًا إلى أن بعض النساء يرفضن العودة إلى لبنان خوفًا من الملاحقة القضائية.
ويعمل لبنان على إدارة الملف بصمت عبر قنوات أمنية ضيقة، بانتظار نضوج التسوية بين دمشق و”قسد”، والتي قد تفتح الباب أمام طيّ صفحة إنسانية مؤلمة امتدت لأعوام بين “الهول” ولبنان.
وعلى هامش النقاش في ملف المحتجزين في مخيم “الهول”، حمل اللقاء نقاشات حساسة حول نشاطات “قسد” في لبنان. وكشفت مصادر مطلعة أن الوفد الكردي تلقّى ملاحظات مباشرة من المسؤولين اللبنانيين بشأن لقاءات أجراها ممثلون عن “قسد” خلال الأشهر الماضية مع شخصيات سياسية لبنانية معارضة للنظام السوري، ومسؤولين سابقين مقربين من شخصيات في السويداء، ما اعتُبر محاولة لتوسيع نفوذ سياسي يمتد من الشمال السوري إلى لبنان.
وبحسب المصادر، أعربت الجهات اللبنانية عن انزعاجها من هذه التحركات، وأبلغت الوفد الكردي بأن الدولة ترفض استخدام أراضيها كمنصة لأي نشاط سياسي أو تنظيمي خارج الأطر الرسمية، وأن العلاقة مع “قسد” ستبقى محصورة في الجانب الإنساني.
“الهول”: بؤرة أمنية وإنسانية
يضمّ مخيم “الهول”، الواقع شمال شرقي سوريا قرب الحدود العراقية، نحو 40 إلى 43 ألف شخص من جنسيات متعددة، بينهم سوريون وعراقيون ولبنانيون، بالإضافة إلى أوروبيين وآسيويين. ويشكل النساء والأطفال الغالبية الساحقة من قاطنيه، بعدما اعتُقل أو قُتل معظم الرجال المرتبطين بتنظيم “داعش”.
أُنشئ المخيم سنة 1991 لإيواء نازحين بعد حرب الخليج، لكنه تحول بعد عام 2011 ومع اندلاع الحرب السورية إلى مأوى لعائلات مقاتلي التنظيم. وبعد سقوط “داعش” عام 2019 وتقدم “قسد” في معاقله، ارتفع عدد السكان إلى أكثر من 73 ألفًا، قبل أن يتراجع تدريجيًا مع مغادرة عدد من العائلات الأجنبية بالتنسيق مع حكوماتها.
بحسب منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children)، يعيش في المخيم اليوم نحو 7300 طفل بحاجة ماسة إلى الحماية، وسط مخاوف من تعرضهم للاستغلال أو التلقين الفكري المتطرف. ويصف أحد مسؤولي المنظمات الدولية المخيم بأنه “قنبلة موقوتة”، إذ إن كل تأخير في تفكيكه يمنح التطرف فرصة جديدة للتمدّد.
وتُظهر الإحصاءات أن عدد مراكز احتجاز مقاتلي “داعش” في سوريا يبلغ 26 مركزًا شرق البلاد، يحتجز فيها قرابة 12 ألف مقاتل من أكثر من 50 جنسية، ما يعكس حجم التعقيدات الأمنية والإنسانية المتشابكة في المنطقة.














