يُكثّف جيش العدو الإسرائيلي استعداداته العسكرية في “الجبهة الشمالية”، تحسّبًا لمواجهة مستقبلية مع “حزب الله”، في ظلّ وقف إطلاق النار الهش الذي تواصل “إسرائيل” انتهاكه وتستغله لتثبيت مكاسبها الميدانية وتعزيز قدرتها العملياتية.
ووفق تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن “حزب الله” يعيد تموضعه استعدادًا لمواجهة جديدة، متّبعًا سياسة “الاحتواء المحسوب” تجاه الهجمات الإسرائيلية، عبر “التضحية بقوات تكتيكية على الحدود مقابل تعزيز قدراته في العمق اللبناني”.
وفي هذه الأثناء، يواصل جيش العدو الإسرائيلي تنفيذ هجمات تستهدف مواقع في مختلف المناطق اللبنانية، بذريعة “إنفاذ” اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، برعاية أميركية.
ويزعم جيش العدو الإسرائيلي أن الغاية من الهجمات الراهنة هي “منع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية وإحباط استعداده للحرب المقبلة، بل والمساهمة في تشكيل ميدان القتال المستقبلي”، على حدّ تعبيره.
“لا يمكن تجنب المواجهة المقبلة”
وبحسب ما أورده موقع “واللا” الإسرائيلي، قتل جيش العدو الإسرائيلي، منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، نحو 330 عنصرًا من “حزب الله”، بينهم عشرة خلال الأسبوعين الأخيرين، في سلسلة من الغارات الجوية والعمليات الميدانية.
وبحسب التقديرات اللبنانية، ارتكبت “إسرائيل” أكثر من 4,500 انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار، ما أسفر عن استشهاد وإصابة مئات الأشخاص، خصوصًا في القرى الحدودية جنوبي لبنان، التي لا يزال معظمها مدمّرًا ويُمنع سكانها من العودة إليها.
بالتوازي، أنهت الفرقة 91 في جيش العدو الإسرائيلي، أوسع تدريب لها منذ اندلاع الحرب، شمل سيناريوهات دفاع وهجوم في البحر والجو والبر، ضمن مساعٍ إسرائيلية لرفع مستوى الجهوزية لمعركة تعتبرها “معركة حتمية”، وتهدف إلى ضرب “العمق اللبناني وشلّ القدرات الإستراتيجية لحزب الله”.
سيناريو الحرب المقبلة
تقدّر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن “حزب الله”، باعتباره “تنظيمًا عسكريًا محترفًا ومدعومًا من إيران”، يواصل دراسة المعركة الأخيرة واستخلاص الدروس منها.
ويقول مسؤولون أمنيون إنّ “حزب الله تلقّى ضربات قاسية، لكنه حقّق أيضًا بعض النجاحات، وسيحاول تطويرها وتوظيفها في الحرب القادمة”.
ويُتوقع أن يسعى الحزب إلى فرض معادلات جديدة واستخدام وسائل مختلفة عن المواجهات السابقة، وهو ما يفرض، بحسب جيش العدو الإسرائيلي، تحديًا استخباراتيًا كبيرًا يتمثل في “منع مفاجأة مشابهة لهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023”.
لهذا السبب، تعمل شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش العدو الإسرائيلي (“أمان”) على “تحديث نموذج الإنذار المبكر” وتكييفه مع التهديدات المتغيّرة.
معركة في عمق لبنان
وتقدّر “إسرائيل” أن “حزب الله” نقل مراكزه الأساسية إلى عمق الأراضي اللبنانية، لا سيما في منطقة البقاع، “ما سيجبر القوات الإسرائيلية، في أي مواجهة مستقبلية، على تنفيذ عملية برية وجوية واسعة داخل لبنان”.
وتشير التقديرات إلى أنّ هذه المعركة ستتطلّب “اجتياحاً برياً وتوغلاً لفترة أطول بكثير من العمليات التي نُفّذت حتى الآن في غزة أو سورية”، مع استخدام أكبر للمجنزرات والدبابات، وزيادة نيران الإسناد من الجوّ والبرّ، وتوسيع منظومات الحماية للقوات البرية والقدرات اللوجستية.
ويقدّر جيش العدو الإسرائيلي أنّ “حزب الله” احتفظ بخطط لشنّ هجمات برّية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين تزعم حكومة بنيامين نتنياهو أنها “أحبطت هذه القدرات”.
غير أنّ التقديرات العسكرية لا تستبعد أن يعمد الحزب مستقبلًا إلى “عمليات توغل أكثر اتساعًا وتعقيدًا، تشمل عدة محاور بهدف تشتيت القوات الإسرائيلية وإرباكها”.
ويقرّ جيش العدو الإسرائيلي بصعوبة إحباط إطلاق الصواريخ الموجّهة المضادة للدروع نحو المستوطنات المحاذية للمنطقة الحدودية، من دون توغّل بري داخل لبنان.
التهديد المسيّر
وتشير تقديرات جيش العدو الإسرائيلي إلى أن “حزب الله” يسعى إلى تطوير قدرات “الوحدة 127” المختصّة بتسيير الطائرات بدون طيار ضد أهداف داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار موقع “واللا” إلى أن “حزب الله” أثبت في الحرب الأخيرة أنه قادر على تشغيل فرق صغيرة موزّعة في مناطق متعدّدة بلبنان لإطلاق طائرات مسيّرة نحو العمق في كيان الاحتلال، بفاعلية.
وترى “إسرائيل” أنّ المواجهة المقبلة ستكون “حرب عقول” بين أساليب الهجوم والدفاع المتبادلة، في ظل سعي الطرفين لتطوير قدراتهما التقنية والاستخبارية.
التحدي الاستخباراتي
وتحذّر أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن “انسحاب حزب الله إلى عمق المناطق المدنية وتمركزه في مبانٍ سكنية أو منشآت تحت الأرض، يجعل مهمة اكتشافه واستهدافه أكثر تعقيدًا”، وفق ما جاء في التقديرات الأمنية.
وتقرّ المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأنّ التجارب في غزة ولبنان أظهرت أن “القوة الجوية وحدها، مهما بلغت دقتها، لا يمكن أن تكون بديلًا عن العمليات البرية والهندسية”، وهو ما يعني ارتفاعًا في مستوى المخاطرة التي ستتحمّلها القوات في الميدان.
الاعتبارات الدولية
وتحاول “إسرائيل” أن تظّل أي عملية عسكرية في لبنان مقيدة بشرط أساسي هو الحفاظ على “الشرعية الدولية”. فالقصف المكثّف لمئات الصواريخ والأنفاق والمخازن ـ الذي تتوقعه “إسرائيل” في المرحلة الأولى من أي حرب ـ قد يخلّف أضرارًا بيئية وبشرية كبيرة، ما يستدعي، “خطة إعلامية ودبلوماسية واسعة النطاق”.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإنّ استهداف العاصمة بيروت أو مناطق مأهولة أخرى، قد يُعرّض “إسرائيل” لضغوط دولية تحدّ من قدرتها على “حسم” المعركة ميدانيًا.
وتسعى “إسرائيل”، وفق ما تقول مؤسساتها الأمنية، إلى “إحباط إعادة تموضع حزب الله وإضعاف قدرته على مفاجأة إسرائيل في الحرب المقبلة”، عبر الجمع بين العمليات الحالية والهجمات الدقيقة في العمق، لضمان أن تبقى أي مواجهة محتملة “تحت السيطرة الإسرائيلية ميدانيًا وسياسيًا”.
غير أن هذه التقديرات تظلّ قائمة على فرضية لم تختبر بعد: أن “حزب الله”، رغم خسائره، ما زال يمتلك قدرة على المبادرة، وأن أي حرب جديدة ـ إذا اندلعت ـ قد تتجاوز حدود التوقعات الإسرائيلية نفسها.














