| جورج علم |
ينطلق من العاصمة الفنزويليّة كاراكاس، إلى العاصمة اللبنانيّة بيروت، القطار الأميركي لمكافحة المخدّرات، ويمرّ بعواصم دول عدّة مدرجة كمحطّات على خطّ سيره.
ويعود التوتر بين واشنطن وكاراكاس إلى الواجهة، مجدّداً، مع تصاعد تحركات إدارة الرئيس دونالد ترامب ضدّ فنزويلا، في مشهد يعيد إلى الأذهان محاولات تغيير الأنظمة التي ميّزت تاريخ التعاطي الأميركي مع دول أميركا اللاتينيّة.
تصعيد الحرب في منطقة البحر الكاريبي، بدءاً من إطلاق وكالة المخابرات المركزيّة عملياتها السرّية ضد نظام نيكولاس مادورو، مروراً بنشر القوات البحريّة الأميركيّة، وشنّ غارات على سفن يزعم أنها تهرّب المخدّرات، وصولاً إلى تصريحات ترامب التي تلمّح إلى إحتمال تنفيذ ضربات عسكريّة داخل الأراضي الفنزويليّة، تستدعي كلّها النظر إلى الأكمة وما وراءها.
ويلعب وزير الخارجيّة ماركو روبيو دور مهندس سياسة ترامب الجديدة تجاه فنزويلا، بعد إقصاء الدبلوماسي ريتشارد غرينيل الذي فشل في الوصول إلى تسوية تفاوضيّة مع مادورو.
وسبق لوزارة العدل الأميركيّة أن حرّكت ملفاً قضائيّاً ضدّ مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، كونه “كان مهندس الإستراتيجيّة السريّة الفاشلة للإطاحة بمادورو، خلال إدارة ترامب الأولى”.
ويرفع ترامب شعار الحرب على المخدّرات في فنزويلا، فيما الهدف الفعلي يتجاوز مكافحة التهريب ليصل إلى:
– السيطرة على البحيرة النفطيّة الفنزويليّة الهائلة المخزون، والمردودات.
– قطع حبل السرّة الذي يربط ما بين فنزويلا، وكلّ من إيران وروسيا والصين وكوبا ونيكاراغوا.
– العمل على إعادة تشكيل النظام السياسي في فنزويلا.
وكانت المدّعية العامة الأميركيّة بام بوندي قد أعلنت بأن الحكومة الأميركيّة تعرض مكافأة قدرها 50 مليون دولار، مقابل معلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على مادورو، متّهمة أياه بـ”إستخدام الكوكايين كسلاح لإغراق الولايات المتحدة”. فيما أهدت زعيمة المعارضة الفنزويليّة ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس ترامب، وطلبت منه المساعدة في الإطاحة بمادورو.
ما علاقة بيروت بما يجري بين واشنطن وكاراكاس؟
بلغ القطار الأميركي محطته اللبنانيّة. ولا بدّ من الصعود إلى المقصورة حكماً. والمسألة ليست مسألة خيار، بقدر ما هي قرار. وللصعود كلفة، لا بدّ من الحصول على تأشيرة. وهذه دونها شروط، من عناوينها:
أ ـ قطع حبل السرّة ما بين بيروت وطهران، وقطع حبل الإمدادات بين النظام الإيراني و”حزب الله”، سواء أكانت ماليّة أو قتاليّة.
ما يجري على هذا الصعيد، يخضع لمراقبة مخابراتيّة أميركيّة ـ إسرائيليّة معقّدة، تنطلق من طهران إلى بيروت، وتشمل العراق وسوريا، وتأخذ في طريقها كل ما على جوانبها من أسرار و”أوكار”، وخرائط معقّدة لشبكات التهريب، والمرجعيات الأم التي تمدّها بالدعم والحماية.
وطلبت الإدارة الأميركيّة، قبل شهر تقريباً، من الجهات الرسميّة اللبنانية المختصة معلومات موثّقة حول 82 مليون دولار، قالت إنها وصلت إلى ماليّة الحزب، لكن لغاية الساعة لم تتلق واشنطن تقريراً رسميّاً يتضمّن معلومات يمكن البناء عليها.
ب ـ تجفيف منابع المخدرات، صناعة، وتصديراً، وتهريباً، ومكافحة خلايا التهريب.
لا يتعلّق الأمر بنظريّة “الأنابيب المتصلة” بين سوريا ولبنان، والتحالف الوثيق الصلة بين الشبكات التنفيذيّة لـ”إمبرطوريّة” الكوكايين والكبتاغون وسائر أنواع المخدّرات عبر الحدود، بل يمتد ليشمل الخلايا المتصلة ما بين بيروت ودمشق وبغداد، وصولاً إلى طهران، ومنها إلى كاركاس، حيث يملك الأميركي معلومات واسعة عن الشبكات الناشطة في عالم المخدرات داخل فنزويلا، والتي يعتقد الأميركي أنها تشكّل مصدراً ماليّاً مهمّا يغذي شرايين محور الممانعة، ووحدة الساحات، بإشراف الجناح العسكري الفاعل داخل النظام الإيراني.
إن ما يجري من نشاطات ناجحة تقوم بها الأجهزة اللبنانيّة المختصّة في مكافحة المخدرات، إنما يتصل بشكل مباشر بالشروط الأميركيّة المطلوبة، مقابل حصول لبنان على تأشيرة تؤهله الدخول إلى عالم الشرق الأوسط الجديد!
ج ـ معالجة كل ما له علاقة بمؤسسة “القرض الحسن”.
إفتتح الشيخ نعيم قاسم معركة سياسيّة ضدّ تدابير قانونيّة إتخذها وزير العدل عادل نصّار وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، من أجل تنظيف “الإقتصاد النقدي”، في سياق المعالجات والإصلاحات النقديّة والإداريّة التي تنفّذها السلطة.
وسأل: “هل لبنان سجن لمواطنيه بإدارة أميركيّة؟ وزير العدل، أو حاكم مصرف لبنان، هل هما موظفان عند الإدارة الأميركيّة في السجن الأميركي في لبنان؟”.
أضاف: “وزير العدل ليس ضابطة عدليّة عند أميركا وإسرائيل، وعليه أن يتوقف عن منع المواطنين من إنجاز معاملاتهم؟ حاكم مصرف لبنان ليس موظفاً عند أميركا كي يضيّق على المواطنين بأموالهم. وعلى الحكومة أن تضع له حدّاً”.
تردّ الحكومة: “على الحزب أن يتعاون أولاً. أن يؤمن بسيادة القانون، والدستور، ومؤسسات الدولة. أن يسلّم سلاحه تنفيذاً لإتفاق الطائف، ولمندرجات القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وخصوصاً القرارين 1559 و1701. أما أن يستمر حيث هو، ويؤدي خدمات لمصلحة محور إقليمي، ويحمّل الحكومة اللبنانيّة التبعات، فهذا ليس بالمعقول ولا بالمقبول”.
إلاّ إن للشيخ نعيم بعض الحق، في بعض ما يقوله. قد لا يكون لبنان سجناً أميركيّاً، ولكن لبنان محاصر بمثلّث أميركي ـ إسرائيلي ـ إيراني، يستنزف ما تبقى لديه من رميم!
تطالبه الإدارة الأميركيّة بحصر السلاح، وتجفيف منابع المخدرات، وقطع حبل السرّة بين بيروت وطهران، فيما يطالبه الإيراني بالإبقاء على الحزب، وسلاحه. أما الإسرائيلي فيغتنم الحجّة، ويمعن بفرض أمر يخطّط له على أرض الواقع بالحديد والنار.
والخلاصة أن لبنان يقضي عقوبة قاسيّة في السجن الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الإيراني، مع محاكمة ظالمة.. وإنتظار قاتل!
للانضمام إلى مجموعات “الجريدة” على “وأتس آب” إضغط على الرابط
https://chat.whatsapp.com/D1AbBGEjtWlGzpr4weF4y2?mode=ac_t














