| خلود شحادة |
لم يكن توم براك في مقابلته الأخيرة مجرّد دبلوماسي يقوم بقراءة سياسية ويقدم معلومات عن واقع التفاوض، بل كان أشبه ببوق تحريض، يستخدم لغة ربما لم يستخدمها بنيامين نتنياهو نفسه، بوقاحة موصوفة، وأسلوب متعجرف وفوقي استباح فيه كل المواثيق الدولية والقوانين.
افتتح براك مقابلته بمنطقه الدموي: “لا سلام، لا أفق سياسي، لا تفاوض.. فقط حرب أو خضوع واستسلام”!
بنظره، المنطقة لن تُدار إلا بالنار، وأعطى كيان الاحتلال الإسرائيلي “كل الحب”، لممارستها العدوانية تجاه كل دول المنطقة.
سخر براك من إمكانية توطيد العلاقة بين السعودية و”حزب الله”، معتبراً أن ما قاله الشيخ نعيم قاسم “مزحة ثقيلة”، واضعاً “فيتو” أميركي على أي تقارب سعودي مع الحزب، فاتحاً الباب من جديد حول إمكانية عقد اتفاقية تطبيع بين “إسرائيل” والسعودية، تحت التهديد المبطن!
أما عن قطر، فقد “غص” براك بالإدانة، إلا أنه كشف أن استضافة قطر لـ”حماس” كانت بطلب أميركي، ليبقي خط تواصل مع “حماس” عبر قطر.
أي وقاحة ظهر بها حين تساءل “لماذا لا يستقبل العرب الفلسطينيين؟”، معتبراً أن تمسك الفلسطيني بأرضه سيجعل الحرب “مستمرة للأبد!
الجبروت الأميركي ـ الصهيوني، وصل إلى حد القول جهارة “الأرض أرضكم ونريد سلبها”.
ولم تتوقف عنجهية الولايات المتحدة عند هذا الحد، بل تخطتها إلى حد السخرية من الأمم المتحدة، التي عقدت مؤتمراً للاعتراف بفلسطين كدولة. هذا ليس نقداً لمؤسسة دولية بقدر ما هو استهزاء بالشرعية الدولية التي يستند إليها لبنان في مواجهة الخروقات الإسرائيلية، وكأنه كاد يقول “بلّوا قراراتكم واشربوا ميتها”.
أما على صعيد الملف اللبناني، فما ظهر ولم يخف، في كلام براك، كان أعظم!
عمل براك في مقابلته على اشعال فتيل الفتنة الداخلية، عبر ادعائه أن الموارنة والسنة “يتوهمون أنهم يحكمون”، بل إن “الحاكم الفعلي” للبنان هم “الشيعة الأقلية”.
كلام وقح، تحريضي، هدفه تفجير الوضع الداخلي في لبنان، بعد أن فشلت الحرب الاسرائيلية في إشعال الشارع اللبناني.
عمل براك بشكل واضح على وضع الجيش اللبناني في فوهّة المعركة، محملاً إياه وزر محاولة سحب السلاح بـ”القوة” من “حزب الله”، محاولاً تطييف الجيش اللبناني عبر القول إن “معظم عناصر الجيش هم من الطائفة السنية”، أي أن الجيش سينجح بذلك لأسباب طائفية.
زج براك اسم الطائفة السنية في محاولة خلق شرخ شيعي ـ سني، في المعركة التي تمايز فيها الحزب، كونه دافع فيها عن فلسطين، والتي تعتبر بوصلة اللبنانيين والعرب من السنة، لذا يحاول فك هذا “التحالف الوجداني”، عبر تأجيج الشارع “السني ـ الشيعي”.
بكل وضوح قال برّاك “نحن لا نسلّح الجيش اللبناني ليحارب إسرائيل، لأن عدونا هو حزب الله وايران”.
بهذه العبارة أسقط القناع. واشنطن لا ترى في الجيش إلا أداة لمحاربة “حزب الله”، وتسعى لاقتتال داخلي يكون الجيش طرفاً فيه، وأ أميركا تعمل على جعله “حارس حدود” لـ”إسرائيل”.
ما هو موقف الداخل المؤيد لبرّاك؟
لا نطرح هذه السؤال لمن يؤمنون ان “إسرائيل” عدو، بل لمن يعتبر أن أميركا ستحميه من أي رد فعل صهيوني تجاه لبنان!
تخطى برّاك الخطوط الحمراء جميعها، ليصل حد تبريره قصف الأحياء المدنية والمنازل السكنية من قبل العدو الإسرائيلي بذريعة أن “الصواريخ مخزنة في المنازل”، ليعطي “إسرائيل” بطاقة خضراء بقتل المدنيين من دون حسيب أو رقيب.
وبتهديد علني، “إذا لم تنفّذ الحكومة ما تريده أميركا، فستفعل إسرائيل”! عنى برّاك ما يقول جيداً، فلبنان كلّه سيكون تحت نيران العدو الاسرائيلي في أيّ وقت، أي أن لبنان مخيّر بين حرب داخلية أو عدوان خارجي. وهذه، ليست لغة سياسية، بل إعلان حرب على السيادة اللبنانية.
توم براك لم يخطئ في التعبير، بل تعمّد الإهانة. هاجم وحدة لبنان، هدّد سلمه الأهلي، لوّح بعدوان إسرائيلي جديد، وبرّر قتل المدنيين.
في المقابل، الداخل اللبناني صمّ آذانه، فيما الحقيقة باتت واضحة: كيف يمكن المطالبة بنزع سلاح المقاومة، بينما “إسرائيل” مستمرة في احتلال أرضنا وخروقاتها اليومية؟ وممعنة في الضغط ليصبح لبنان ضفة غربية جديدة؟
هذا الخطاب الأميركي الفتنوي، يجب أن يُواجَه بموقف وطني واحد: لبنان ليس ساحة لتصفية حسابات أميركا و”إسرائيل”. الجيش لن يكون أداة للفتنة. والسيادة ليست ورقة مقايضة.
أين هم من يتبجّحون يومياً بطلب سحب السلاح؟ هل الوطن أرخص لديهم من المبالغ التي يتقاضونها؟
وفي ظل سلطة عاجزة عن رفض الإهانة قولاً منذ أن قال عن الصحافيين “حيوانات”.. من سيثأر للوطن والكرامات المهدورة والدماء المسفوكة؟!
للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط
https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_copy_c














