السبت, ديسمبر 6, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةشريط الاحداثالشقق الصغيرة وجهة اللبنانيين.. تحوّل بفعل الأزمات المتراكمة!

الشقق الصغيرة وجهة اللبنانيين.. تحوّل بفعل الأزمات المتراكمة!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

في ظل التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان منذ اندلاع أزمته المالية أواخر عام 2019، برزت تغيّرات جذرية في نمط حياة المواطنين، كان من أبرزها التبدّل في اتجاهات السكن. فقد انحسر الطلب على الشقق السكنية الواسعة التي كانت تُعتبر يوماً ما معياراً للراحة والوجاهة الاجتماعية، وارتفع في المقابل الطلب على الشقق الصغيرة والمدمجة، بما يعكس واقعاً اقتصادياً جديداً فرضته الظروف القاسية على معظم العائلات اللبنانية.

الأزمة تغير المعادلة
كان المواطن اللبناني، قبل الأزمة، يطمح لامتلاك شقة لا تقل مساحتها عن 150 متراً مربعاً، وغالباً ما تكون مكونة من ثلاث غرف نوم وصالون كبير، لتأمين ما يُعرف بـ”السكن العائلي المستقر”.
أما اليوم، فقد أصبح الحلم أكثر تواضعاً، ويتجه كثيرون إلى البحث عن شقق لا تتجاوز مساحتها 80 متراً مربعاً، تقتصر على غرفة نوم واحدة أو اثنتين، ومطبخ صغير، مع غياب الكثير من “الكماليات” التي كانت سابقاً جزءًا لا يتجزأ من التصميم السكني.

الواقع العقاري يواكب التحوّل
ويرى المطوّرون العقاريون أن هذه التغييرات لم تقتصر على الطلب، بل انسحبت مباشرة على شكل الأبنية نفسها. إذ أصبحت المشاريع الحديثة تركّز على عدد أكبر من الوحدات الصغيرة ضمن المبنى الواحد، مع تقليص المساحات المشتركة والتكاليف التشغيلية.

في هذا السياق، قال خبير عقاري لموقع الجريدة: “يشهد سوق العقارات في لبنان تحولاً عميقاً في توجهات المشترين. لم تعد الأولوية للمساحات الواسعة أو الرفاهية، بل بات التركيز على الحلول العملية والتوفير في الكلفة. هذا الواقع دفع المطوّرين العقاريين إلى إعادة النظر في تصاميم مشاريعهم، والابتعاد عن النماذج التقليدية التي كانت تعتمد على عدد كبير من الغرف ومساحات كبيرة، لصالح وحدات أكثر مرونة وكفاءة”.

وتابع: “حتى البُنى القديمة لم تسلم من هذا التغيير، إذ بات من الشائع اليوم تقسيم الشقق الكبيرة إلى وحدات أصغر، سواء للتأجير أو البيع، بما يتناسب مع القدرة الشرائية الحالية للمواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة”.

إلى جانب انخفاض كلفتها الإجمالية، توفر الشقق الصغيرة ميزات عديدة في ظل الأزمة، أهمها، خفض كلفة الصيانة والاشتراكات، تقليل استهلاك الكهرباء والمياه، إمكانية أكبر للحصول على التمويل أو الشراء بالدفع المريح، سهولة الإيجار أو إعادة البيع نتيجة ارتفاع الطلب عليها. بحسب الخبير العقاري.

كما أن نمط الحياة المتغيّر، حيث يفضّل الكثير من الشباب العيش بشكل مستقل بعيداً عن المنزل العائلي، عزز من جاذبية هذا النوع من السكن، وخصوصاً في المدن الكبرى كبيروت وجونية وصيدا وطرابلس.

تغير اجتماعي يتجاوز العقار
هذا التحول لا يعبّر فقط عن أزمة عقارية، بل يعكس أيضاً تحوّلًا اجتماعياً وثقافياً. فالشقة الصغيرة لم تعد تُعتبر “حلاً مؤقتًا” أو “سكناً للضرورة”، بل خياراً مدروساً وواقعياً، يعكس وعياً جديداً بأهمية التوفير والاستقلالية.

ومع غياب آفاق الحلول الاقتصادية في الأمد القريب، يُتوقع أن يستمر هذا التوجّه ويتعمّق، ليصبح جزءًا من الهوية السكنية الجديدة للبنانيين.

وبينما تعاني البلاد من أزمات متتالية، يبدو أن اللبنانيين يثبتون مرة جديدة قدرتهم على التكيّف مع الظروف، حتى في أبسط تفاصيل حياتهم، كالسكن. من الشقق الواسعة التي كانت رمزاً للرفاهية، إلى الشقق الصغيرة التي أصبحت مرادفاً للواقعية. فاللبنانيون يكتبون فصلاً جديداً في شكل مدنهم وطبيعة مجتمعاتهم.

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_copy_c

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img