| جورج علم |
إستحقّ لبنان الرسمي تنويهاً أميركيّاً ـ أوروبيّاً حول رفض التدخّل الإيراني.
وكان الموقف “جلاّب مزايدات” من داخل لبناني مهووس بقرع الدف، وهزّ الخصر، ورقص الدبكة، كلّما دوزن المزمار الأميركي لحناً نشازاً، يعتبره بعض الداخل، ممتازاً.
أثار المسؤول الإيراني علي لاريجاني إشكاليّة، عندما طرح على مسامع المسؤولين، ومن قلب بيروت، سؤالاً محوريّاً: وماذا عن التدخل الأميركي في شؤون لبنان الداخليّة؟
فاته الجواب، لأن سؤاله طرح بصيغة الإستجواب، ولا وقت لدى الحكومة للدخول في “مهاترات جانبيّة” لأنها كانت منهمكة بإعداد العدّة لإستقبال الأميركي توم برّاك، ومعه بعض فريق العمل الممسك بالملف اللبناني.
وإعداد العدّة لم يكن متيسّراً. الطريق ما بين بعبدا وعين التينة لا تشهد زحمة سير خلال هذه الأيام، ومهما قيل عن أنها “سالكة وآمنة وطبيعيّة”، فإنها تعاني من ضباب كثيف، يحجب الرؤية. الرئيس نبيه برّي حريص على ألاّ يحصل أي تصادم، لأنه سيكون مميتاً في ظلّ الغشاوة السميكة التي تسيطر على المشهد العام في لبنان والمنطقة.
الجامع المشترك الوحيد، أن لا بعبدا، ولا السرايا، ولا عين التينة، يملكون القدرة على تشكيل “جبهة التصدّي والصمود” في وجه الأميركي، ومعاوله الإسرائيليّة الهدّامة.
بإمكان الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام أن يقولا للاريجاني: “نرفض التدخّل الإيراني بشؤون لبنان الداخليّة”، ولكن ليس بإستطاعطهما أن يقولا مثل هذا الكلام للأميركي. الأخير صاحب حظوة، وإمتياز.
إنه يفاوض ليفرض ما يريده. العهد صنيعه. عندما قرّر إنهاء مسيرة الفراغ، وإنتخاب رئيس للجمهوريّة، لم يستأذن أحداً في الداخل، بل إكتفى بتوزيع “كلمة السر” على قادة الطوائف، ورؤساء الأحزاب الميليشيويّة.
ربما إستأنس “الخماسيّة”، وفي الطليعة المملكة العربيّة السعوديّة، وفرنسا، إلى جانب مصر، وقطر، لكن القرار كان قراره. أعدّ خريطة الطريق. حدّد الأهداف، رسم المسار، قبل أن يطلق صفّارته، ويؤذن للقافلة كي تنطلق.
لم يأت نواف سلام من رئاسة محكمة لاهاي إلى رئاسة الحكومة بفضل كتلته النيابيّة الوازنة في البرلمان، وشعبيته الهادرة. جاء بقرار أميركيّ معلّل سعوديّاً ـ أوروبيّاً ـ عربيّاً.
نام نجيب ميقاتي على وعد محلّي بأنه الرئيس المكلّف لتشكيل حكومة العهد الأولى، وإستيقظ على وقع الإنقلاب الكبير. المتقاطرون إلى القصر الجمهوري لخوض إمتحان الإستشارات النيابيّة الملزمة، تنافسوا، وتدافشوا أمام الكاميرات، لإعلان المبايعة لنواف سلام. بعض النواب أعلن “الحرد”، و” شهر بالإمتعاض” لأنه لم يتبلغ “كلمة السر”، لا بل وصلته متأخرة، وبعد أن “كتب ما كتب”.
يملك الأميركي أكبر قاعدة نفوذ في الشرق الأوسط بـ”مجمّع السفارة” في عوكر. يملك قاعدة عسكريّة في حامات، تحطّ على مدرجها حاملات الأطنان من المعدّات، واللوجستيات، والإستعدادات! يملك قرار تسليح الجيش. وحده يملك الإمرة في التسليح من عدمه، وفي تحديد نوعيّة السلاح الذي تقبل “إسرائيل” بتمريره، والإشراف المباشر على المهام، وخريطة الإنتشار، والمسؤوليات المترتبة. وحده الذي قاد مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة مع الكيان الإسرائيلي. وحده الذي هندس إتفاق وقف إطلاق النار ما بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وحده الذي يرأس اللجنة الفنيّة الخاصة المكلفة بتنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار، والتي لا صوت لها، ولا صورة، ولا كلمة مأثورة، منذ تاريخ تشكيلها لغاية الآن. وحده المشرف على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وصاحب الكلمة، والنفوذ، والتأثير. وحده المتعّهد الحصري والفعلي للإصلاحات السياسيّة، والماليّة، والإقتصاديّة، والإجتماعيّة…والذي يوزّع الأدوار، ويشرف على سير العمل.
هذا الأميركي، يجلس في برج المراقبة العالي، والمزوّد بأحدث التقنيات، ويشرف على مسار الأمور في البلاد، على ما يجري في الجنوب، والبقاع، والداخل. على ما يجري في غزّة، والضفة، والقدس، والقضيّة الفلسطينيّة. ويكاد أن يكون وحده المخول في التقرير والتدبير حول ما يجري في سوريا، والعراق، وإيران، واليمن، والخليج، والبحر الأحمر…
إختار الشرق الأوسط مسرحاً لإختبار مدى قدرة وفعالية أسلحته الحديثة المتطوّرة، من طائرة الشبح “بي ـ 2”. إلى القنبلة الوحش، زنة الـ13 طناً الخارقة للتحصينات. إلى القاذفات الأسرع من الصوت، البعيدة المدى. إلى الصواريخ المنطلقة من الغواصات، وحاملات الطائرات…
هذه “العراضة المسلّحة”، المستمرّة، لها أهداف، وغايات، ومط
امع ومطامح. وليس بسيطاً القول إن الشرق الأوسط الجديد إنما يطبخ هذه الأيام، على نار حامية داخل “بريستو أميركي ـ إسرائيلي”، وضمناً لبنان… فأي لبنان سيكون؟
نحن الآن على شفير منزلق قاتل، وتحوّل متحرّر من أي ضوابط، وكل الإعتماد على الأميركي صانع قالب الحلوى، من دون معرفة مقادير السمّ المدسوس في المحتوى!
ينتظر اللبنانيّون مع نهاية شهر آب اللهّاب، ولادة التوأم: التجديد لقوات “اليونيفيل” في الجنوب. وخطة “حصر السلاح” من قيادة الجيش. كيف ستكون الولادة؟ وهل ستكون طبيعيّة، أم قيصريّة؟ وما هي المواصفات للإهتداء إلى الأهداف؟
وحده الأميركي يعرف. وحده يدوزن. وحده يتحكّم بمسار الريح. ووحده يمسك بـ”قرار الحرب والسلم”.
حدّثنا الشيخ نعيم قاسم، وبكثير من الإنفعال، عن مسيرة كربلائيّة محتملة بإتجاه السفارة الأميركيّة. إختار وظيفة جديدة للسلاح، عنوانها “تحرير لبنان من النفوذ الأميركي”.
لا مانع، إذا ما توافرت عنده المقدرة على تنفيذ القرار… لا على الإنتحار… وحتماً ستكون غالبية اللبنانييّن إلى جانبه، مقابل شروط:
– أن يعود من إيران إلى لبنان.
– أن لا يرفع إصبعه بوجه اللبنانيّين مشهّراً، مهدّداً، متوعّداً.
– أن يؤمن بان لبنان وطن، وليس مجرّد ساحة، لتصفية حسابات إقليميّة ـ دوليّة!














