الجمعة, يوليو 11, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderالشرق الأوسط.. ومعموديّة "الحديد والنار"

الشرق الأوسط.. ومعموديّة “الحديد والنار”

spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

كانت العمارة الإيرانيّة شاهقة، وبشرفات كثيرة مطلّة على الرياح الأربع من الأرض، لكنها لم تأوِ الكثير من الأصدقاء الأوفياء. بدت خلال المواجهة، وكأنها وحيدة، حتى الذين تعاطفوا، إقتصر دورهم على نثر في الهواء الطلق لا يحدث غباراً، ولا يحرّك مساراً.
هذا لا يعني أن “إسرائيل” تمتلك الرصيد المكتنز، لكن يكفي ما لديها من أسهم رابحة في البورصة الأميركيّة لكي تتكىء على مدّ واسع من الدعم والمؤازرة. وقد تحوّل بنيامين نتنياهو، هذه الأيام، ناطقاً رسميّاً للبيت الأبيض، يعلن ما يريده الرئيس دونالد ترامب، وما لا يريده من هذه المواجهة الفجّة المفتوحة على غاربها في هذه المنطقة الحيويّة من العالم.

إعتمدت إيران على الأذرع. كانت تخوض حروبها بالوكالة، بعيداً عن أراضيها: من خلال “حماس” في غزّة، و”حزب الله” في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، و”الفصائل” في العراق، و”الحوثيين” في اليمن. بعد “طوفان الأقصى” تغيّر كلّ شيء. تغيّرت الحسابات، وشُلّت الأذرع، وتقطّعت الأوصال، ولم يبق من “الطوفان” سوى التموجات.

“مقياس ريختر” للصداقات، نشط الأسبوع الماضي قبل ساعات معدودة من بدء الحرب. إجتمع مجلس المحافظين للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، وصوّت 19 عضواً من أصل 35، إلى جانب قرار يدين طهران لعدم الإمتثال لإلتزاماتها النووية، مقابل معارضة روسيا، والصين، وبوركينا فاسو، وإمتناع 11 عضواً. هذا يعني أن الكفّة الدوليّة الراجحة لم تكن لصالحها.
عندما أمضى وزير خارجيّة سلطنة عمان بدر بن حمد البوسعيدي الليل كلّه يقنع نظيره الإيراني عبّاس عراقجي بضرورة عقد الجلسة السادسة من المفاوضات مع الولايات المتحدة، رغم شراسة العدوان، وكثافة النيران، كان يدرك مدى أهميّة إلتقاط الفرص، وإن كانت لا تأتي بالنتائج المرجوّة، محذّراً من أن تفويت هذه الفرصة ليس لمصلحة إيران، وإن فات الموعد سيأخذ بطريقه فرصاً كثيرة لا يعود بعدها من أمل في الحصول على ما كان يمكن الحصول عليه في كولسات الحوار.

وعندما تأهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإطمئنان إلى أوضاع صديقه مسعود بزشكيان، أنهى المكالمة بإتصاله مباشرة بالرئيس دونالد ترامب، شارحاً الوضع، ومتشاوراً حول إمكانية القيام بوساطة للعودة إلى طاولة المفاوضات. جاءه الجواب بالإيجاب، لكن على قاعدة: “لا تخصيب، ولا برنامج نووي”، وإذا ما إستمر الرفض قد يأتي يوم يتخطّى فيه الخطر مقار المفاعلات، ليحاصر مقار المؤسسات.

هذا لا يعني أن الحول يصيب عيناً واحدة، فالأخرى الأميركيّة ـ الإسرائيليّة لا تملك شفافية البصيرة والبصر، والحرب المندلعة أبطالها جشعون لا يقيمون وزناً للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ولا للقوانين والأعراف الدوليّة، ولا للمواثيق والإتفاقيات الناظمة لحقوق الدول والجماعات، ولا لمبادىء العدالة، وكرامة الإنسان.

رئيس انتخب لأقوى دولة كي يزيد مدماكاً في صرح الوئام بين الأمم، وإذ به يريد ضمّ كندا، و”الصلبطة” على قناة بنما، والسيطرة على جزيرة غرينلاند، وتغيير النظام العالمي، وإعلان الحرب الإقتصادية من خلال الرسوم الجمركيّة، وإطلاق العنان لمواقف صادمة، وكأنه يريد أن يضبط ساعة العالم وفق توقيته، وأولويات أجندته.

ويمدّ بالمقابل يد الدعم لحليف له يحظى بلقب رئيس وزراء “إسرائيل” قدّم للعالم أسوأ سيرة ذاتية، حبلى بالإجرام، وسفك الدماء، وهمجيّة السلاح، ووحشيّة الحروب، وجشع السلطة، وطمع السيطرة والتوسع، غير عابىء بالقيم القانونيّة، والإنسانيّة، ولا بشرعة الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، ولا بالقوانين الدوليّة الناظمة، وكشف مختبر غزّة كم أن دمه ممصول بنسبة عالية من التوحش.
ولا يمكن الحصول على شهادة حسن سلوك واحدة تبرىء السلوك الإيراني في المحيط. سلوك توسعي، عقائدي، إحتوائي، كلّف ـ ولا يزال ـ الكثير من الدماء، والدموع، والخراب والدمار على طول المحور الممتد من غزّة، مروراً بلبنان، وسوريا، والعراق، وصولاً إلى اليمن.
ولم يكن مهضوماً ومقبولاً عندما كان يطلّ أحدهم متباهياً بالسيطرة على أربع عواصم عربيّة. إن في هذا غطرسة، وعنجهيّة، وفوقيّة مريضة مرفوضة كشفت عيوبها المستجدات الراهنة المتسارعة.
دول ثلاث تتطاحن في ما بينها للسيطرة على الشرق الأوسط الجديد، تحت مطولات من الشعارات الشعبويّة التي تهمّ العالم العربي، والقضايا العربيّة، قبل أي طرف آخر.
دول مستقويّة بقدراتها القتاليّة، ونزعاتها التوسعيّة، وعقدها الإستبداديّة التي لا تقيم وزناً للمعايير الدوليّة التي تحفظ الحقوق والكرامات.
المؤسف أن خيوط العنكبوت بدأت تنسج مكائد حول مضيق هرمز، وكأن الممر مجرد عقار خاص حصري الملكيّة، أو وديعة في عهدة أحد ونفذ صبره.

إن التلاعب بأمن الممّر، إنما هو تلاعب بأمن الخليج، وأمن الطاقة، وأمن الإستقرار الإقتصادي الإجتماعي المعيشي العالمي، وهذا من شأنه أن يشعل براكين جديدة لا حصر لها، ولا قدرة على إحتوائها إلاّ بإستنفار دولي واسع بدأ يزعق نفيره لدى العديد من عواصم دول القرار القلقة على مصالحها التي باتت تتلظّى بين نارين: تلك المندلعة ما بين روسيا وأوكرانيا من جهة، و”إسرائيل” وإيران من جهة أخرى.

وفي عملية “حصر إرث” سريعة، فقد العرب، لغاية الآن، تحت وطأة هذا الإعصار المدمّر:
• المؤتمر الدولي الذي إستعدت له كلّ من المملكة العربيّة السعوديّة وفرنسا، لتأييد قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وفق إطار “حل الدولتين”، والذي كان سيعقد في الأمم المتحدة بمشاركة أكثر من 163 دولة.
• الإستقرار في أسواق النفط، والطاقة، وبواكير الإنعكاسات السلبيّة على إقتصاديات الدول المنتجة، والمصدرة، خصوصاً إذا ما إلتحق مضيق هرمز بدائرة النار المشتعلة، والتي تحرق كل شيء!

spot_img
spot_img
spot_img
مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img