| زينة أرزوني |
في مشهد أعاد أمام العالم بأسره شريط الأحداث في لبنان، تكررت معادلة الضربة الاستخباراتية “الإسرائيلية”، ولكن هذه المرة في قلب إيران.
قادة عسكريون من الصف الأول، وعلماء ذرة كانوا يشكلون العمود الفقري للقدرة النووية الإيرانية، سقطوا في ضربة واحدة. من بين الأسماء البارزة التي أُعلنت: اللواء حسين سلامي، اللواء محمد باقري، اللواء غلام علي رشيد، والعلماء النوويون أحمد رضا ذو الفقاري، مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي.
وعلى الرغم من معرفة إيران أنه مع ارتفاع منسوب التوترات يكون هناك حديث عن استهدافها من قبل “إسرائيل”، ولكن هذه المرة سربت واشنطن أن هناك ضربة وشيكة ضد طهران، ولكن الأخيرة من الواضح أنها لم تأخذ الموضوع على محمل الجد، فكانت ضربة غير مسبوقة، ليس فقط بحجمها وإنما في دلالاتها.
كيف تُستهدف قيادة بهذا المستوى دفعة واحدة؟!
لماذا تكرر إيران أخطاء “حزب الله” الذي ما زال يرزح تحت خطر الاستهداف المتواصل؟!
من سهّل العملية؟
المعلومات المتقاطعة تشير إلى أن الضربة لم تكن فقط “إسرائيلية”، بل إن الولايات المتحدة كانت اللاعب الخفي والمصمم الأساسي لها، عبر مشاركة مباشرة من 12 قاعدة أميركية موزعة حول إيران. وبحسب تقارير استخباراتية، فإن هذه القواعد لعبت دوراً محورياً في تعطيل منظومة الرادارات الإيرانية إلكترونياً، ما جعل البلاد عمياء أمام الضربة الجوية والصاروخية المركّزة.
الأكثر إثارة، هو تزامن القصف الخارجي مع سلسلة عمليات تخريب داخلية نُسبت لجهاز “الموساد” الصهيوني تحت عنوان “حرب الظل”، التي تستهدف قلب إيران النابض تكنولوجياً وعسكرياً.
على ما يبدو ان العدوان الإسرائيلي بدأ بضربة جوية، ولكن في الحقيقة هو سيناريو معقّد جداً بدأ بتمويه سياسي وانتهى بعاصفة نارية.
مسرحية الخلاف بين نتنياهو وترامب
قبل الضربة بأسابيع، أُخرجت مسرحية سياسية محبوكة بدقة: خلاف مفتعل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ترافق مع إقالة مستشار ترامب للأمن القومي. كل ذلك أوحى للتيار الإصلاحي داخل طهران أن هناك فرصة ذهبية للتفاهم مع الغرب، خصوصًا في ظل تصريحات ترامب بأنه سيمنح إيران مهلة 60 يومًا للاتفاق، وإلا فالحرب قادمة، وجاءت الضربة في اليوم 61…
هكذا، استدرجت إيران إلى لحظة الغفلة، حيث بدا أن جزءًا من نظامها كان يعيش في وهم التفاهمات الدولية، بينما الآخر منشغل بإدارة أزمات إقليمية متعددة من اليمن إلى غزة، مرورًا بسوريا والعراق ولبنان.
اللافت أكثر أن جيش العدو الإسرائيلي نشر علنًا، ولأول مرة، صورة الهيكل القيادي للأمن القومي الإيراني، مرفقة بأسماء وصور لقادة عسكريين وأمنيين، بعضهم قُتل بالفعل، بحسب الرواية الإسرائيلية. لم يكن الهدف مجرد إعلان النصر، بل إيصال رسالة ردعية مفادها: “نعرفكم واحدًا واحدًا… ونحن قادمون”.
الرسالة كانت واضحة أيضًا للجمهور الإيراني، وربما للنظام نفسه: التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي ليس مجرد خرافة، بل واقع تقني وعملياتي ملموس.
بين الردّ والاندثار: ما هي خيارات طهران؟
الآن، تقف إيران أمام مفترق طرق حاد.
إما الرد عبر استهداف المصالح الأميركية في الخليج وآسيا الوسطى، أو ضرب كيان الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، في تصعيد قد يشعل المنطقة. لكن إيران تدرك أن أي ردّ غير محسوب قد يُستخدم ذريعة لتوسيع الحرب وربما إسقاط النظام نفسه.
الخيار الآخر أكثر ردعاً: إعلان امتلاك السلاح النووي أو تسريع تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية. حينها، ستتحول سياسة “الدفاع المتقدم” الإيرانية إلى “ردع متقدم” عبر القنبلة النووية.
أما الخيار الثالث: ضبط النفس، وهو بمثابة توقيع على شهادة تفكيك الهيبة الإيرانية، وربما فتح الباب أمام تنفيذ حلم “إسرائيل الكبرى” الممتد من النيل إلى الفرات، كما يروج له اليمين الإسرائيلي وبعض مراكز التفكير الغربية.
إما إيران… أو “إسرائيل الكبرى”
هذه ليست مجرد ضربة أمنية. إنها اختبار وجودي لإيران كقوة إقليمية. السؤال الحقيقي لم يعد “هل ترد إيران؟”، بل “هل تبقى إيران؟”، لأن ما بعد هذه العملية لن يكون كما قبلها. في ميزان الردع الذي أُعيد ضبطه بالقوة، على طهران أن تختار: الرد العسكري الحاسم، أو الاعتراف الضمني بأن “حرب الظل” الإسرائيلية قد ربحت المعركة الكبرى دون أن تُطلق حربًا مفتوحة.
وبعد انقشاع دخان الضربة، هل ستبقى مقولة “اسرائيل الى زوال” شعاراً، أم سنرى رداً ايرانياً مزلزلاً؟
العالم كله ينتظر هذا الرد منذ اغتيال قاسم سليماني وعماد مغنية والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، أما ممارسة سياسة “ضبط النفس” و”الصبر الاستراتيجي” فسيؤدي حتماً إلى فرض “نيرون العصر”، اي نتنياهو، سيطرته على الشرق الأوسط والعمل على إسقاط النظام في إيران، كما حصل في سوريا، تمهيداً لإعلان “إسرائيل الكبرى” من النيل الى الفرات..
فهل وصلنا اليوم إلى معركة وجود: إما زوال “إسرائيل”.. أو على الشرق الأوسط السلام؟!














