الأحد, ديسمبر 7, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderهل من فرصة لـ"هبوط إضطراري" في واشنطن؟

هل من فرصة لـ”هبوط إضطراري” في واشنطن؟

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

يبقى صمت الولايات المتحدة الأميركيّة أفظع وقعاً، وأشدّ إيلاماً من قصف “إسرائيل” للضاحية الجنوبيّة من بيروت، والجنوب.

لم يرتفع صوت مسؤول أميركي يندّد. لم يصدر بيان عن الخارجيّة الأميركيّة يحدّد موقفاً من الإستباحة الإسرائيليّة. بل صمت، وغضّ طرف، وكأن ما يجري، إنما يدخل في سياق ما هو متفاهم عليه بين تل أبيب وواشنطن حول لبنان!

هناك إلتباس يسوّر العلاقات اللبنانيّة ـ الأميركيّة لا بدّ من تبديده كي تصبح الصورة أكثر نقاء حول الأهداف، والمرامي، وهل تريد واشنطن دعم تعافي لبنان، أم تريده عالقاً في المصعد، مجرّد ورقة احتياط تلجأ إلى إستخدامها في الوقت الذي تراه مناسباً، لدعم مواقفها وراء كواليس المفاوضات والمساومات لترجيح كفّة مصالحها؟

كان لها دور في تحقيق النقلة النوعيّة بإنتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهوريّة، ووضع حدّ للفراغ وتسيّب المؤسسات. وكانت السفارة الأميركيّة في بيروت أول من رحب بتشكيل الحكومة، وإختيار نواف سلام رئيساً لها. ويعود الفضل للإدارة الأميركيّة السابقة في ترسيم الحدود البحريّة، والتوصل إلى إتفاق وقف إطلاق النار. ورحّب لبنان بأن يرأس جنرال أميركي ـ إلى جانب فرنسا ـ اللجنة الأمنيّة المشرفة على تنفيذه. وساد انطباع عام بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ـ ومن خلال تصريحاته ومواقفه ـ قد تمسك بيمين البلد، وأخذه بمشوار على سكّة التعافي، نحو النهوض. لكن الوقائع كانت صادمة، إذ تركه ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإسرائيليّة ـ الإيرانيّة.

ولا شيء يميّز الموقف الأميركي عن ذلك المعلن من قبل دول شقيقة وصديقة حول وجوب تجريد “حزب الله” من سلاحه كشرط مسبق للضغط على “إسرائيل” كي تنسحب من الجنوب، وتوقف إعتداءاتها، وتمتثل لإتفاق وقف إطلاق النار.

هناك دفتر شروط دولي برسم الحكومة اللبنانية، وعلى العهد أن ينجز قرار حصر السلاح، ويحقّق الإصلاحات المطلوبة، ليحصل من الدول المانحة، وصندوق النقد على الأموال التي يحتاجها لإعادة إعمار ما تهدم.

هناك تساؤل جدّي حول حقيقة الموقف الأميركي تجاه لبنان، في ظل العدوان الإسرائيلي المفرط والمتمادي؟

هناك إستغراب من عدم الإكتراث حيال ما يجري من إنتهاكات. لم يكلّف وزير الخارجيّة الأميركي نفسه بزيارة بيروت، ولو لساعات معدودة، دعماً للعهد بعد إنتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهوريّة. لم تستأهل بيروت أن تكون مجرّد محطة عابرة في جولات الموفد الأميركي ستيف ويتكوف في المنطقة. ما وصلنا من واشنطن لغاية الآن، إختصرته الموفدة مورغان أورتاغوس، وهي تتباهى “بنجمة داوود” تتدلّى من عنقها، وتنقل مطالب الحكومة الإسرائيليّة المتطرّفة إلى المسؤولين اللبنانيّين، مع السرعة في الإستجابة والتنفيذ!

كانت لافتة جولة الرئيس ترامب في الخليج. وكان لبنان بنداً مدرجاً على جدول الأعمال، لكن لم يحظ بالأولويّة، سبقته سوريا، وكان تركيز على الإنفتاح الأميركي ـ السعودي ـ الخليجي على واقعها، مع ما يحملون من سلال وعود واعدة.

كانت لافتة زيارة الرئيس عون إلى المملكة العربيّة السعوديّة من حيث المودّة، وحفاوة الإستقبال، لكن لم يتمخّض عنها ـ لغاية الآن – الكثير من النتائج الداعمة للعهد ومسيرته.
وبكلام أكثر وضوحاً، لم تأت النتائج على قدر التوقعات، وهناك علامة إستفهام حول غضّ الطرف السعودي ـ الأميركي عن التحديات الإسرائيليّة ـ الإقليميّة التي تحاصر لبنان، والإنصراف معاً إلى الإهتمام أكثر بملفات أخرى في المنطقة.
هذا لا يعني حصول تغيير كبير قد طرأ على الإستراتيجيّة المرسومة، فلبنان لا يزال ـ حتى إشعار آخر – في الحضن السعودي ـ الأميركي، لكن الإلتباس الكبير الذي يحيط بموقفيهما ينطلق من التمادي الإسرائيلي في الإحتلال، والقصف، والتدمير، دون ترك أي هامش ـ ولو ضيّق ـ أمام العهد كي ينطلق بإعادة البناء وفقاً لخريطة الطريق التي رسمها في خطاب القسم.
لقد قصفت “إسرائيل” موسم الإصطياف، أو حاولت النيل منه، والحدّ من الإقبال الخليجي الواعد، عندما قصفت المجمّع السكني القريب من مطار بيروت، وفي ذلك رسالة.

أما الرسالة الثانية فبرسم الحكومة اللبنانيّة التي تفاهمت مع وزير الخارجيّة الإيراني عباس عرقجي، على قلب الصفحة، وفتح أخرى جديدة عنوانها علاقة نديّة من دولة لدولة. والثالثة برسم الإدارة الأميركيّة إحتجاجاً على الحوار مع إيران، وإمكانيّة التوصل إلى إتفاق حول النووي، ونسبة التخصيب. وأيضاً على خريطة الطريق التي يرسمها ستيف ويتكوف للوضع في غزّة، ومستقبل القطاع.

لقد إحتج لبنان الرسمي على التصعيد الإسرائيلي الأخير، وبأشد العبارات، ولكن هذا لا يكفي… لا بدّ من مكاشفة حول حقيقة الموقف الأميركي تجاه لبنان، وما تريده واشنطن، وما يستطيع لبنان تقديمه من دون التفريط بوحدته الوطنيّة، وسلمه الأهلي.

لا بدّ من السعي إلى ترتيب طاولة حوار مباشر مع واشنطن، وعلى مستويات رفيعة، لمعرفة أين موقع لبنان على خريطة الشرق الأوسط الجديد؟ وإلى أي مدى سيبقى رهينة الكماشة الإسرائيليّة ـ الإيرانيّة؟ وأين موقع واشنطن من هذا الـ”لبنان”؟ وإلى أي مدى هي جديّة في تقديم الدعم، وصادقة في تنفيذه؟

إن الإستنكار، والشجب، والتنديد لا يردع “إسرائيل”، ولا يحملها على تنفيذ مندرجات القرار 1701. وحدها الولايات المتحدة قادرة ـ إن شاءت ـ على ردع حكومة بنيامين نتنياهو، ووضع حدّ لغطرستها، سواء في لبنان، أو في سوريا، أو في المنطقة.

تبقى إشارة إلى كوكبة من اللبنانييّن النافذين المقربين من الحلقة الضيقة للرئيس ترامب. هل بوسع العهد، وهل هو قادر على توظيف علاقاتهم الوديّة مع الرئيس الأميركي لمصلحة لبنان، وإستقراره، وإزدهاره؟!
المطلوب بطاقة دعوة، وتأشيرة، وموعد للإقلاع، وإذن بالهبوط الآمن في مطار المصالح المشتركة!

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img