رحلة إنقاص الوزن: بين التصالح مع الذات ومحاربتها

خلال فترة تفشي جائحة كوفيد-19، لجأ كثر بهدف تخفيف التوتر الناتج عن التفكير بالمصير المجهول للعالم، أو ملء وقت الفراغ المتزايد، إلى تناول كميات مضاعفة من الطعام، وبالتالي اكتساب الوزن.

وذكرت أبحاث أن عدد الأشخاص الذين أفرطوا في تناول الطعام بسبب التوتر والقلق ارتفع خلال فترة الجائحة، ومع إجراءات الإغلاق وفرض حظر التجول في بعض الدول، ارتفعت معدلات الوزن الزائد والمفرط.

ويروي الكاتب، سام أندرسون، في مقال في صحيفة “نيويورك تايمز” تجربته مع الوزن الذي كسبه خلال الجائحة، مشيراً إلى أن إنقاص الوزن واعتباره معياراً يدل على صحة الإنسان النفسية أو صورته لنفسه، ليس أمراً مثبتاً.

وقال أنردسون إنه لم يستوعب مدى الوزن الذي كسبه إلا عندما توجه في رحلة إلى أحد شواطئ أميركا، واكتشف أن لباس السباحة الخاص به لم يعد خياراً جيداً، وعندما ذهب لشراء ملابس أخرى نصحه أحد العاملين في محل الثياب باستخدام تطبيق لإنقاص الوزن.

وأضاف أنه بدأ استخدام التطبيق. “شعرتُ بالسخافة حيال ذلك، لذا في البداية لم أخبر أحداً. نعم، لقد وجدت أنه من المهين أن أعاني من زيادة الوزن، لكنني اكتشفت أنه من المهين القلق بشأن زيادة وزني. كنت أرغب في إنقاص وزني ولكني لم أرغب الاعتراف بأنني بصدد إنقاص وزني، حتى أمام نفسي”.

بعد تجربة التطبيق، تمكن أندرسون من إنقاص وزنه، وسط دهشة عائلته، وحتى زوجته، التي سألته إن كان يخفي عنها إصابته بالسرطان، وصل أندرسون لوزن مثالي، لكنه تساءل: “ماذا بعد ذلك؟”.

بعدها غاص في أعماق تساؤلات فلسفية، يطرح فيها علاقة الإنسان بجسده: “هل هو شريك في السكن؟ حيوان أليف؟ توأم؟ عضو في الفريق؟ منافس؟ طفيلي؟ وعاء لاحتواء النفس؟ هل الجسد أساسي للنفس؟ أم أنه مجرد قوقعة تغلفنا؟.. هل الجسد يعد وجها لعملة العقل؟ أم أنه العملة بأكملها؟”.

وأجاب “لا أعرف. لا أحد منا يعرف. هذه واحدة من الغرائب المزعجة لكونك إنساناً. من المستحيل أن تفكر باستخدام جسدك؛ يمكنك فقط أن تجسّد جسدك. ولذا فإننا نتجول مع هذا الشعور بالغربة، هذا التنافر الأساسي، ازدواجية تمتد حتى جذور الثقافة الغربية”.

ويؤكد أنه “في ثقافتنا المهووسة بالأرقام، يميل الناس إلى استخدام الوزن كاختصار تشخيصي للعلاقة المزعجة بين العقل والجسم. إنه بمثابة نوع من أسعار الأسهم: رقم يشير، علناً، إلى الصحة العامة لمواقفنا الخاصة”.

ثم انتقل إلى وصف علاقته بالطعام، مشيراً إلى أنه منذ صغره، كان الطعام مخصصاً للمتعة، وذكَر أن جده قال له مرة، بعد أن شرب كأساً من عصير التفاح: “لقد شربته للمتعة، وليس لفوائده الصحية”، يضيف: “أجل استمتعت بشربه، لماذا يجب أن يكون ذلك أمرا خارجا عن المألوف؟”.

وقال أندرسون إنه استمتع في طفولته بتناول وجبات زملائه، الذين كانوا يتسابقون لكشف عدد الكعكات الحقيقية التي يمكنه تناولها، ويعترف بأنه كان يحب الاهتمام الذي لاقاه من ذلك.

واستدرك “لكني لم أحب بدانتي”، مشيراً إلى أنه عندما كان في الصف السادس وقف خلال الاستحمام ناظرا إلى جسده ممسكا ببطنه مرددا: “هذا ليس أنا”. بعدها وفي الثانية عشر من عمره بدأ يلعب الرياضة وعندما بلغ المرحلة الثانوية وصل إلى “الوزن المطلوب”، وبدأ يردد قصة النجاح التي تتغنى بها تطبيقات إنقاص الوزن “تمكّنتُ من إرادتي، وأنقصتُ وزني”.

أضاف “لكن هل تمكنتُ من التغلب على وزني؟ ما تميلُ قصص الحمية الغذائية إلى إهماله هو أنه في أعقاب حصر الطعام، يعود الناس لاكتساب الوزن مرة أخرى. فقصة الحياة أطول بكثير من قصة حمية طعام”.

وتابع: “سأظل سام السمين. سأظل أيضا الشخص الذي يشعر بالخجل من سام السمين. إن مشاعري تجاه جسدي تشكل وترا من العديد من النغمات، لا تبدو جميعها جيدة معا. أنا، وفي آن واحد، الشخص الذي يريد ابتلاع العالم والمسؤول عن منع نفسي من ابتلاع العالم. ربما يعني هذا أنني سأظل دائمًا غير راض، بطريقة ما، حتى اللحظة التي ينتهي فيها كل شيء. وسيتعيّن علي أن أتعلم كيف أكون راضيا عن هذا”.

وأنهى أندرسون مقاله: “لكن وفي ما يخص الوقت الحاضر، سأستيقظ من النوم وأحاول توجيه سام السمين بعدد من الحدود، سأحضر طبقا من الزبادي مع العنب الأخضر وعشر حبات من اللوز، سيأكله (سام السمين) بشراهة وبفرحة لا توصف. وسويةً سنفكر أنا وسام بهذا الزبادي لبقية اليوم، وسنغط في النوم ونحن نفكر به، متحمّسَيْن للعودة إلى المطبخ وتناوله مجددا”.