| غاصب المختار |
لم يكن من ضرورة لبذل جهد كبير لمعرفة ما طرحته الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس على المسؤولين اللبنانيين خلال لقاءاتها بهم، فور أن قابلت رئيس الجمهورية جوزاف عون، وهي ترتدي قلادة تحمل “نجمة داوود”، رمز الصهيونية بكل أبعادها الدينية والسياسية والأمنية والعسكرية، بعدما لبست في الزيارة الماضية خاتماً يحمل النجمة ذاتها، وكانت حريصة على إظهارها في الصور التي التُقِطت لها خلال اللقاءات. هذا عدا عن تصريحاتها الفجة وغير الدبلوماسية التي سبقت الزيارتين. لكنها في لقائها مع الرئيس نبيه بري أخفت النجمة تحت ثيابها خشية سماع كلمة “مش على خاطرها”.
وبدا من حرص الموفدة، المغرمة جداً بالكيان الإسرائيلي وتوجهاته وحروبه التدميرية وجرائمه بحق البشرية، أنها تنطق بلسان زعماء هذا الكيان، وتنقل حرفياً وبدقة شديدة ما يريده العدو من لبنان، لا سيما كسر وإلغاء أي عنصر قوة بيد لبنان يمكن أن يهدد الكيان الاسرائيلي ولو برصاصة، حتى أن الجيش اللبناني ممنوع عليه أن يطلق طلقة بمواجهة أي خرق أو عدوان على لبنان، برغم أن آلية تنفيذ وقف إطلاق النار والقرار 1701 تنص على حق الدفاع عن النفس، وقد سلّم جميع الأطراف اللبنانية بدور الجيش والدولة في هذا المجال، حتى “حزب الله”. لكن تجارب الأشهر الماضية، بعد بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، أظهر “تقيّد” لبنان الرسمي بعدم الدفاع عن النفس، وترك وقف الاعتداءات للجنة الإشراف التي يرأسها ويديرها أميركي يتقيّد بدقة بتعليمات قادته السياسيين أن “طنِّش” عن أي اعتداء وأَلقِي قدر ما تريد من وعود فارغة وكاذبة بالمعالجة.
لكن، بعد تصريحات عدد من المسؤولين الأميركيين، من وزارة الخارجية إلى مستشار الامن القومي إلى الموفد الرئاسي إلى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف ونائبته أورتاغوس، وكلها تدعم “حق اسرائيل بالدفاع عن النفس” تجاه “ولا خرق” سجّل من طرف لبنان، بدا أن الأميركي تخلّى حتى عن المراوغة والكذب والوعود الفارغة، وأعلن صراحة إطلاق يد إسرائيل العسكرية ضد لبنان.
وبرغم أن لبنان الرسمي طرح أمام أورتاغوس مقترحات لحل تقني لمسائل إنسحاب قوات الاحتلال من النقاط المحتلة وتثبيت الحدود البرية بالتفاوض غير المباشر مع كيان الاحتلال، وأكد عشرات المرات التزامه القرار 1701 وباشر الجيش اللبناني إجراءات تطبيقية فورية، طالت مصادرة شاحنات تحمل أسلحة للمقاومة ودهم مراكز وأنفاق ومواقع لها في الجبهة الجنوبية، فإن كل ذلك لم يشفع له عند الإدارة الأميركية، لدرجة أن أورتاغوس اتهمت الجيش ضمنياً بالتواطؤ في عملية إطلاق الصواريخ المشبوهة مؤخراً من الجنوب تجاه بعض المستعمرات الصهيونية. وذهب بعض “المطروبين” اللبنانيين لـ”حِداها” إلى حد مطالبة “إسرائيل” بتولي “مهمة القضاء نهائياً على حزب الله طالما إن الجيش اللبناني عاجز عن ذلك، ولو ذهب مئات الضحايا المدنيين”!
ميزة هذه المرحلة بكل مآسيها، أنها كشفت حقيقة الخطاب الداخلي لبعض الأطراف في لبنان بفعل “نشوة النصر” المفترضة، بعدما كشفت كل خيوط وتفاصيل المشروع الأميركي – الصهيوني للمنطقة، ومن ضمنها لبنان طبعاً. لذلك، لم تحمل أورتاغوس معها في الزيارة الجديدة أي جديد يفيد لبنان سوى تكرار الطلبات والشروط الاسرائيلية، ولو أن بعض المعلومات أشارت إلى أنها كانت هذه المرة أكثر هدوءاً ودبلوماسية عن المرة السابقة في طرح مواقفها ولو كانت فجّة وصريحة، كمثل ربط المساعدات وإعادة الإعمار بنزع السلاح. مع أن لبنان قدّم مقترحات لحل أزمة الحدود ستدرسها أورتاغوس مع قادة الاحتلال والإدارة الأميركية.. ويبقى للحديث صلة…