/محمد حمية/
يعود شبح التفجير الأمني ليطل برأسه من بوابة عاصمة الشمال، ليرسم مشهداً داخلياً مُقلقاً ومرعباً، ويضع الاستحقاق الانتخابي على فوهة “التطيير” عندما يأتي القرار الخارجي.. وقد افتتحت طرابلس بغرق “زورق المهاجرين” مسلسل الأحدات الأمنية المتزامنة والمتلاحقة في المدينة وأكثر من منطقة لبنانية.. ما يدعو للتساؤل عما إذا كانت هذه الأحداث مترابطة ببعضها ومعدة من جهات محلية – خارجية لها مصلحة بتفجير الوضع الأمني الداخلي ليكون ذريعة التأجيل للانتخابات.
مراقبة وتتبع شريط الأحداث خلال الأسبوع المنصرم، يوحي وكأن أمراً ما يجري تدبيره سيغير مشهد الاستقرار وفترة الهدوء وتطمينات المراجع الحكومية والأمنية خلال الأسابيع السابقة.. وأصبح البلد يعيش “كل يوم بيومو”، على حد تعبير أحد المراجع الوزارية والأمنية السابقة التي تشير لـ”الجريدة” الى أن “المدة الفاصلة عن موعد الانتخابات هي الأخطر”، متخوفة من تطور الاحتقان الشعبي والتوتر الأمني لا سيما في طرابلس إلى أعمال أمنية وحوادث تؤدي إلى إعاقة إجراء الانتخابات أو على الأقل فتح الباب للتشكيك بشرعيتها ونزاهتنها وعدالتها وبنتائجها لاحقاً.. إذ كيف يمكن للمرشحين التنقل بحرية في طرابلس لإقامة المهرجانات الانتخابية والجولات الشعبية في ظل الظروف الأمنية الراهنة؟
وتنظر المرجعية بعين القلق إلى جملة أحداث متزامنة ومتلاحقة خلال الاسبوع الماضي.. الاحتقان الاجتماعي والشعبي في مواجهة قانون “الكابيتال كونترول” ومسلسل قطع الطرقات احتجاجًا على انقطاع التيار الكهربائي وتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ارتفاع مفاجئ لسعر صرف الدولار في السوق السوداء من 23 الى 28 الف ليرة، تقنين قاسٍ بالتيار الكهربائي في بيروت ومختلف المناطق، ثم حوادث متعددة في طرابلس تلتها إشتباكات مسلحة في عائشة بكار في بيروت بين عائلتين وحالة فلتان أمني مفاجئة في الضاحية الجنوبية وأعمال خطف في بعلبك، وتوتر الوضع الأمني على الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
فهل تزامن هذه الحوادث محضُ صدفة؟ وهل هناك جهة إستخبارية خارجية تُحرك هذه الأحداث للتحضير لأمر ما؟
الأخطر هو ما يجري في طرابس من أحداث مأساوية دموية والتوتر بين الجيش والأهالي الذي رافق تشييع ضحايا الزورق والضحية التي سقطت إثر خلاف انتخابي في المدينة.
فهل ما يجري في طرابلس أحداث عرضية أم مفتعلة ومخطط لها؟ وهل تهدف لشد العصب الطائفي والسياسي قبل الانتخابات، أم لتسخين الحالة الأمنية لتفجير الساحة الطرابلسية لتكون شرارة للانطلاق لتفجير أمني أكبر في لبنان لتطيير الانتخابات؟ لا يمكن وضع فاجعة “قارب الموت” في سياق مخطط افتعال الحوادث الأمنية، لكن حجم الاستغلال للحادث لتوتير الوضع الأمني في طرابلس يرمي شكوكاً حول وجود “نصف قرار” داخلي – خارجي للإطاحة بالانتخابات.
وتكمن الخطوة في محاولة إيقاع الفتنة بين الجيش وأهالي طرابلس بعد حادثة غرق الزورق، حيث تعمدت جهات سياسية معروفة العداء للجيش ومعها وسائل إعلام محلية للتصويب على الجيش وتحميله مسؤولية الكارثة، وذلك لقذف كرة نار الغضب الشعبي في وجه الجيش للمزيد من التوتر وإشاحة الأنظار عن مسؤولية “مافيا” التهريب التي تقف خلفها جهات تجارية مغطاة سياسياً.. وإلا كيف تم إخلاء سبيل صاحب “قارب الموت” رائد الدندشي بعد محاكمته بقضية تهريب غير شرعي سابقة لولا التدخلات السياسية؟
المخاوف تتزايد مع الجو السياسي والانتخابي المحتقن ووجود قوى عدة لا مصلحة لها بإجراء الانتخابات في الداخل والخارج، ما يعزز فرضية التأجيل.
المصادر المتابعة للوضع السياسي والانتخابي تشير إلى أنه باستثناء ثنائي “أمل” و”حزب الله” الذين يؤكدان باستمرار على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها ورفض تأجيلها، فإن أغلب القوى الاخرى لا مصلحة لها بإجراء الانتخابات.. ف”القوات اللبنانية” كما يؤكد خبراء انتخابيون ستتراجع كتلتها النيابية رغم الدعم السياسي والمالي التي تتلقاه من السعودية والأميركيين.. وكذلك الحزب “الاشتراكي” الذي ستتقلص كتلته، وهذا ما يفسر رفع النائب السابق وليد جنبلاط لسقف خطابه الانتخابي بالتحريض على حزب الله والعهد وسوريا، مستخدماً أدبيات وخطاب مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لإثارة العصب الطائفي لرفع حواصله الانتخابية. وكذلك “التيار الوطني الحر” الذي يخوض الانتخابات وهو في أسوأ مراحله السياسية المتوقع أيضاً الخسارة في أكثر من دائرة، أما “تيار المستقبل” فيفضل التأجيل رهاناً على تغير المرحلة السياسية الحالية ليعود الى الساحة السياسية والانتخابية في مراحل أفضل.
ويبدو أن الأميركيين والسعوديين أيضاً يدفعون نحو التأجيل بعد التقارير والدراسات التي تصلهم من مراكز دراسات وإحصاءات عن عجز فريقهم السياسي نيل الاكثرية النيابية وربما “الثلث” لصالح فوز تحالف “حزب الله” – “أمل” والقوةى الحليفة والتيار الوطني الحر بالاكثرية النيابية.
أمام هذا الواقع تصبح تأجيل الانتخابات فرضية واقعية، رغم أن مصادر حزبية وسياسية تضع الحوادث الأمنية ورفع الخطاب الانتخابي والسياسي، في إطار تسخين الساحة وشد العصب الطائفي والحزبي لرفع نسبة الاقتراع والحواصل لا أكثر ولا أقل.
ماذا لو تأجلت الانتخابات؟
ترسم المصادر “سيناريو” سودواي في حال تأجلت الانتخابات قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي بأيام، ويقع الفراغ النيابي مع حكومة تصريف أعمال وندخل إلى انتخابات رئاسة الجمهورية بحالة من التظشي السياسي والطائفي وانهيارات اقتصادية واجتماعية ستؤدي الى تفجير الوضع الأمني في الشارع وتعويم حكم “المافيات” وسلطة الأحزاب والمناطق والأحياء، ما سيأخذ البلاد إلى تقسيم واقعي غير معلن وصراع اجتماعي طائفي أمني يفرض مؤتمراً سياسياً تأسيسياً برعاية قوى خارجية يعيد إنتاج لبنان على أسس جديدة.