| غاصب المختار |
انقضى الشهر الأول من إتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب، وبدا من خلال الوقائع الميدانية مؤخراً، أن الاحتلال الاسرائيلي لا يريد الالتزام بالإتفاق، بل يعتمد على الاتفاق الجانبي بينه وبين الإدارة الاميركية، الذي يسمح له بالتصرف كما يريد في الجنوب وغير الجنوب خلال فترة الستين يوماً القابلة للتمديد عملياً. وهوتصرّف فعلاً كما يريد وزيادة بالغارات على بعض مناطق الجنوب والبقاع، وقصف القرى الجنوبية، وتدمير المنازل، وتجريف البنى التحتية، وخطف المواطنين وقطع التواصل بين القرى الحدودية، في ظل صمت أميركي، بل تغطية واضحة ـ إن لم يكن تواطؤاً- سياسياً وعسكرياً لتكريس الاحتلال لبعض مناطق الجنوب التي تراها “إسرائيل” ضرورية، بدليل برودة ومماطلة التحرك الأميركي السياسي عبر هوكشتاين، والعسكري عبر عضو لجنة الاشراف الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز، والاكتفاء بالوعود التي مازالت السلطات اللبنانية تصدقها.
وثمة حديث في المستويات العسكرية والسياسية الإسرائيلية بأن جيش الاحتلال قد يبقى في الجنوب أكثرمن 70 يوماً، وسيقرر الخطوات المقبلة له ميدانياً في ضوء ما يصفه “انتهاء القضاء على البنى التحتية لحزب الله بشكل كامل ومنع إعادة تسليحه”، وهي الحجة التي ابتدعها مؤخراً لتبرير بقاء احتلاله، حيث زعمت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن “حزب الله يحاول الآن استعادة قدراته العسكرية بعد الحرب الأخيرة، وبدأ في إعادة التسلح ووضع الأسلحة في مستودعاته”. فيما ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أنه “إذا لم ينجح الجيش اللبناني في السيطرة الكاملة على جنوب لبنان نهاية الفترة الزمنية المحددة لوقف إطلاق النار، فسيتعيّن على الجيش الإسرائيلي البقاء في الجنوب”.
هذه التسريبات الإعلامية الاسرائيلية المستمدة من أجواء حكومة الاحتلال وجيشه، تؤكد رغبة الاحتلال في توسيع نطاق احتلاله لمناطق جنوبية، والبقاء أقله في بعض النقاط الحساسة والحيوية بعد فترة الستين يوماً، استباقاً لمفاوضات ترتيب الحدود الجنوبية البرية لاحقاً ـ إذا حصلت ـ بحيث يفرض، بضغط احتلال الأرض، شروطه ومطالبه التوسعية، وهو ما لم يستطع فرضه بالحرب. والأمر نفسه قام به في سوريا أيضاً عبر احتلال جبل الشيخ كاملاً، والتوسع نحو مناطق كبيرة في جنوب سوريا وصولاً إلى حدود لبنان الشرقية، والتنصل من اتفاق فصل القوات في الجولان، وكل هذا بحجة ضمان أمن “إسرائيل” بينما العين فعلياً على الثروة المائية لكلٍّ من لبنان وسوريا.
في هذه الأثناء، ينتظرلبنان زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، المرتقبة في الأسبوع الأول من كانون الثاني، وقبل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المفترضة في 9 كانون الثاني المقبل، لبحث موضوعي تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والتوافق على مرشح للرئاسة.
وهنا يظهرأن نوايا العدو في مكان، ونوايا الحكومة اللبنانية في مكان آخر. ما يطرح السؤال: كيف سيتصرف هوكشتاين بصفته “المندوب السياسي الأميركي” في لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار،خلال الشهر الثاني من بدء سريان إتفاق وقف إطلاق النار؟ يليه سؤال آخر: كيف ستتصرف الحكومة عملياً ـ وليس بالتصريحات والشكاوى لمجلس الأمن الدولي التي لم تحقق الغاية منها ـ إزاء نية الاحتلال عدم الانسحاب ومواصلة الخروقات إلى حد مواصلة الحرب بالغارات والقصف والقتل والخطف؟ والأهم كيف سيتصرف “حزب الله” إزاء تمادي العدو في التوغل داخل الأراضي اللبنانية وصولاً إلى مناطق كانت تعتبر من الخطوط الحمر الكبرى أمام جيش الاحتلال مثل وادي الحجير المطل على نهر الليطاني، وهل يعيد النظر بإلتزامه وقف اطلاق النار؟
لعل المطلوب كما قال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب الدكتور علي فياض “إعادة النظر بأداء السلطة اللبنانية حيال التوسع الاسرائيلي بعد فشلها في وقف الاعتداءات”. وثمة من بدأ يلمّح إلى ان “المقاومة حاضرة للرد ويدها على الزناد، ولكنها ما زالت تعطي الفرصة للحكومة وللجيش لفرض وقف الاعتداءات، كما أنها لا تريد حالياً الانجرار إلى استفزازات الاحتلال التي يسعى من خلالها لجرالمقاومة إلى الرد ولتعزيز حججه بزيادة عدوانه وبقاء احتلاله”.