قالت مصادر مطّلعة لصحيفة الأخبار” إن خلافات مستحكمة وقعت بين الأطراف المعنية بتلزيم إزالة الأنقاض على خلفية السعر الذي يجب أن يعتمد. فمن بعد نقاش واسع بين الأطراف الثلاثة المعنية، أي مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة واتحاد بلديات الضاحية، ومجموعة من المتعهدين، تبيّن أنه ليس هناك اتفاق على سعر واحد ولا على معايير واحدة لتنفيذ المشروع، بل إن كل طرف من هذه الأطراف يحاول أن يشدّ المسألة نحو معاييره بمعزل عما إذا كانت معايير ملائمة للمصلحة العامة.
بحسب ما اتّخذ من قرارات في مجلس الوزراء، فقد تم تخصيص مبلغ 44 مليون دولار للبدء بأعمال مسح الأضرار وإزالة الأنقاض وتسديد بعض التعويضات. وقد جرى تكليف ثلاثة أطراف، كلّ ضمن نطاقه الجغرافي المنصوص عليه قانوناً، أي أنه تم تكليف اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية بهذه المهمة ضمن نطاق الضاحية، ومجلس الجنوب في محافظات الجنوب والنبطية وصور، والهيئة العليا للإغاثة في سائر المناطق.
وفيما جرى التعاقد مع شركة خطيب وعلمي لمسح الأضرار من دون أيّ معايير واضحة تحدّد طريقة إدارة الملف من قبلها، تبيّن أن العشوائية والتنفيع يأخذ مجراه في سائر الملفات أيضاً، ولا سيما المتعلقة بتلزيم رفع الأنقاض. ففيما أنجزت هيئة الشراء العام دفتر شروط لهذا الأمر، بالتعاون مع الأطراف الثلاثة وبرعاية وزارة الأشغال العامة والنقل، تبيّن أنه ينطوي على جزءين، أحدهما يتيح للأطراف المعنية التعاقد بالتراضي للمسائل التي تحتاج إلى سرعة في التنفيذ، والثاني يحصر الأمر بمناقصات عمومية للمسائل التي يمكنها أن تنتظر وقتاً أطول. المسألة المتعلقة برفع الأنقاض تتوزيع على ثلاث مهام أساسية، أولاها رفع الردم إلى مواقع محددة مسبقاً، وثانيتها فرزه واستخلاص الناتج منه، ثم نقل الناتج إلى مواقع الردم بالتوازي مع نقل العوادم إلى أماكن خاصة. وقد اتفق على تحديد مواقع الردم بناءً على توصية من وزير البيئة ناصر ياسين الذي حدّد العديد من المواقع في مختلف المناطق التي كانت عبارة عن كسارات نهشت الجبال أو ما شابه، فضلاً عن أنه تم الاتفاق على أن الردم الناتج من الضاحية سينقل إلى مكبّ الكوستا برافا.
وفي هذا السياق، أجرت الأطراف الثلاثة مشاورات مع متعهدين سيتم استدعاؤهم إلى «حفلة» العقود بالتراضي، لكن تبيّن أن هذه الأطراف عادت من هذه المشاورات بمعايير مختلفة للتسعير. وأهمية توحيد المعايير أن العقد بالتراضي لا يتيح أي تفسيرات، إذ لا يمكن التعاقد بالتراضي مع متعهد بسعر محدد والتعاقد بالتراضي مع آخر بسعر أعلى أو أدنى.
النقاش تطرق إلى أكثر من تسعيرة تراوحت بين 6 دولارات للمتر المكعب و9 دولارات. ويفترض أن يشمل هذا السعر كل المهام المطلوبة من نقل وفرز وردم. لكن الفروقات كبيرة، وقد جرى تبريرها بأكثر من عنصر؛ من بينها اختلاف المسافات بين منطقة وأخرى وبالتالي كلفة نقل الردم، كما طلب بعض المتعهدين ضمانات متعلقة بالنواتج القابلة للتدوير التي يمكن استخراجها من الأنقاض وبيعها، وهذا يرتبط أيضاً بالسعر. فهذه النواتج ستكون ملكاً للمتعهد الذي «يفوز» بعقد بالتراضي، وهي مدخل أساسي في ربحيّته وتعاظمها.
هذا النوع من الخلافات يأتي بسبب عشوائية إدارة المشروع والتخبّط الذي يتراكم في السرايا الحكومية لإدارة ملف بهذا الحجم، بعيداً من أصحاب الاختصاص والضليعين بأمور كهذه. فعندما تكون هناك رؤية واضحة للمشروع، ويتم تكليف الجهات المناسبة لإدارته وتنفيذه، ستكون النتيجة حتماً مختلفة.
لكن الواقع هو أن العقل الذي يدير المشروع يحاول توزيع العمل المطلوب على جهات لديها خلفيات سياسية وطائفية بالأساس، أي أنها ليست مؤسسات بالمعنى القانوني والإداري، بل هي صناديق تعرّضت لانتقادات واسعة منذ إنشائها لغاية اليوم لأنها تنفق الأموال بعقل الزبائنية السياسية وليس بعقل إعادة الإعمار. قبل الانهيار النقدي والمصرفي، كان النقاش يتمحور حول إغلاق هذه الصناديق كجزء من معالجة التشوّهات الهائلة في البنية المؤسسية للدولة اللبنانية.
لكن الآن يتم إحياء هذه المؤسسات مجدداً ويبدأ تناتش الحصص لتوزيعها أرباحاً على المتعهدين وعلى أصحاب الحقوق، الذين تنظر إليهم الصناديق على أنهم زبائن للقوى السياسية. وهذه الصناديق تتبع مباشرة لرئاسة الحكومة وليس عليها أيّ نوع من أنواع الرقابة الفعلية. رغم ذلك، يتم تكليفها بمشروع إزالة الأنقاض المستعجل من أجل إعادة الناس إلى منازلهم التي خسروها بفعل العدوّ الإسرائيلي.