| رندلى جبور |
لم أكن أهدف من زيارتي لعدد من جرحى مجزرَتي البيجر واللاسلكي في بعض المستشفيات، إلا إلى القول إنني أشعر بألمهم ومتضامنة معهم، وإلى إعطائهم بعض المعنويات.
في بهو المستشفى، كنت أشعر بالضيق. ماذا سأرى؟ وماذا يمكن أن أقول؟ وكيف سيستقبلونني وهم بحالتهم تلك؟
ولكنني ما أن دخلت غرفة الجريح الأول، حتى استقبلتني زوجته بابتسامة عريضة.
حيّيتها وسألت عن حالهم، فردّت بالإبتسامة إياها: “الحمدلله على كل شي”… وكان شكر الله حاضراً في مجمل الحديث الذي تبادلته مع أقارب وأصدقاء الجريح، الذي كان ينام تحت وطأة المورفين، بوجه يحمل آثار التفجير، ويد ملفوفة بالشاش الابيض.
والمشهد تكرر في كل الغرف. وجميعهم أكدوا أنهم لن يبخسوا بتقديم المزيد من أجل الحق والوطن و”هذا قدرنا”. ولن يبخلوا بمواجهة العدو الاسرائيلي، ولن يتراجعوا عن الوقوف مع المقاومة.
هم يمتازون بالهدوء وبحكمة عالية، وأكدوا أنهم، ولو لم يروا التحرير الكبير على أيامهم، فهم على الأقل يمهّدون الطريق للاجيال الطالعة.
وهذه الطريق يسلكونها على رغم الألم والثمن.
معظم الذين التقيتهم كانوا تحت سن الأربعين، يحملون عُطْبهم، الذي بدا أنه سيكون دائماً على وجههم وعيونهم وأيديهم أو أرجلهم، بصبر وثبات.
وبدلاً من أن أخفف عنهم الوجع، خففوا عني الضّيق وقدّموا لي عبارات مثل: “الله يسلمك.. بارك الله فيكي.. الله يقويكي.. تابعي كما نعرفك ونحن باقون كما تعرفوننا”.
هؤلاء عرفتهم بلا إصابة مبتسمين، وعرفتهم بمصابهم بنفس تلك الابتسامة.
زرتهم لأعطيهم المعنويات، فأعطوني هم إياها، وعندها فقط فهمت بعمق معنى كلام السيد حسن نصرالله: “الضربة كبيرة ولكنها لم ولن تكسرنا”… ولن يعرف حقيقية هذا الكلام إلا من التقى جريحاً أو أهل شهيد.
هم جميلون، حتى بجراحهم. هم مؤمنون، حتى في قلب دخان مأساتهم. وهم طيّبون، حتى في عز الحادث الجلل الذي وزّعهم بين غرف العناية الفائقة والأسرّة العادية التي يتمدد عليها من خضعوا لعمليات جراحية، وكرروا بأنفسهم كلام الشكر والمباركة مع أنهم من يستحق كل شكر وكل انحناءة.
نعم، المعنويات عالية رغم خيالية الإجرام، وبهؤلاء يمكن الانتصار في الاستراتيجيا ولو كانت إسرائيل تتباهى ببعض “الانجازات” التكتيكية.
ربح معركة، لا يعني ربح الحرب.