هل يلجأ لبنان إلى أساليب أكثر فعالية؟

| غاصب المختار |

ربما لم تكن قد وصلت إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المعلومات عن سقوط نحو ستة شهداء، يوم الثلاثاء الماضي، في الغارات على قرى الجنوب، عندما أعلن عن “تكوين القناعة لدى أصدقاء لبنان بضرورة الضغط على إسرائيل لعدم الانزلاق بالأوضاع إلى ما لا يمكن توقع نتائجه وتداعياته. وأن هذا الضغط مستمر، ونأمل أن يفضي إلى نتائج مرضية في أسرع وقت”. حيث تبيّن أن هذه “القناعة” لا ترجمة عملية وميدانية لها، بدليل عدم جدوى، أو عدم جدّية الضغط لمنع توسيع الإعتداءات.

سمع لبنان خلال الأشهر العشرة الماضية، من الدول الغربية والعربية، الكثير من الكلام عن ضمانات، وعن ممارسة ضغوط على الكيان الاسرائيلي بهدف تخفيف اندفاعته الدموية في أكثرمن دولة ومنها لبنان. كما سمع الكثيرمن الوعود عن حلول قريبة لمسألة ترتيب الحدود البرية. كما سمع قبلها وعوداً بقرب استخراج النفط والغاز من البحر اللبناني، والمساعدة على استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر. بينما فعلياً لم تمارس الضغوط إلّا على لبنان وفصائل المقاومة في لبنان وغيره من دول. عدا الوعود الغربية الفارغة عن دعم لبنان ومساعدته لمعالجة أزمة النازحين السوريين.

وبدا من حركة الموفدين الغربيين أن لا همّ لدى دولهم سوى ضمان أمن “إسرائيل” وإراحتها، بينما لم تفلح كل حجج لبنان وشروحاته ومعلوماته الموثقة أمام الدول، فرادى ومجموعات في المنتديات الدولية، في إقناع هذه الدول بأن للبنان حقوقاً تاريخية تنتهكها “إسرائيل” منذ سنوات، وغضّ ما يُسمّى المجتمع الدولي النظرعنها طويلاً مما أدى إلى تمادي الكيان الإسرائيلي في انتهاكاته واعتداءاته، حتى وصلنا إلى المثل القائل “اسمع تفرح جرّب تحزن”.

بات على لبنان، ربما، اللجؤ إلى أساليب أخرى أجدى وأكثر نفعاً وفعالية، ولعل أبرزها مقاطعة الموفدين الغربيين، لا سيما الأميركيين منهم، ما لم تُمارس الضغوط الكافية والفعالة على الكيان الاسرائيلي لوقف التوسع في العدوان. فكفى لبنان ما سمعه منهم سواء من وعود وكلام فضفاض و”نفاق وكذب”، عدا نقل التهديدات وشروط الكيان الاسرائيلي، المباشرة تارة والمبطّنة تارة أخرى، وصولاً إلى تسرب معلومات عن “التفكير” بفرض عقوبات على لبنان، أو بعض مسؤوليهـ إن خالفوا “التعليمات”.

وبات على لبنان أن يقول كلمته الصريحة والواضحة “بلا كفوف” أمام كل الدول التي تتجاوز حقوقه، فلا الدعم الاقتصادي والسياسي الموعود منها يُغني ويُسمِن من جوع، ولا هي في الواقع تريد انتشال لبنان من أزماته ما لم يخضع للشروط الغربية في كل الملفات المطروحة حالياً، وحتى الاقتصادية والمالية منها. ولا المشروع اللبناني، المطروح منذ ستينيات القرن الماضي، بتسليح الجيش السلاح الكافي للدفاع عن نفسه ولردع “إسرائيل” -لا تهديد وجودها طبعاً – لاقى قبولاً عند الغرب حتى عند أقرب الاصدقاء له مراعاة لأمن الكيان الإسرائيلي وحماية وجوده.

وبات أيضاً على لبنان أن يحمي سيادته وقراره الحر، وهي لها شروطها، وأولها وقف هذا الارتهان غير المبرر والمبالغ فيه لدول الغرب، التي تحمي “إسرائيل” وتعتبر مصالحها في الشرق الأوسط أولوية على مصالح سائر الدول العربية، حتى الحليفة او الصديقة لها. ففي لبنان من عناصر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والشعبية والكفايات البشرية، ما يكفي لممارسة الإستقلالية التامة، أو الكافية لتثبيت مواقفه وحماية حقوقه، كما فعلت دول كثيرة، ولو أنها عانت من الحصار والعقوبات الغربية، لكنها لجأت إلى الخيارات الأخرى في ما سمي “الخيارات الشرقية”.

هناك دول كثيرة مستعدة لمساعدة لبنان اقتصادياً وانمائياً، وحتى عسكرياً، كروسيا والصين وإيران، وحتى الهند وغيرها، بما لها من خبرات وكفاءات في ميادين وقطاعات كثيرة، لكن لا بد من قرار سياسي رسمي جريء بعيد عن الحسابات والمنافع والمصالح الشخصية القائمة مع دول الغرب، وعن المخاوف من فرض عقوبات شخصية على بعض المسؤولين، أو الضغط عليهم في أعمالهم الخاصة خارج لبنان .