مصير الانتخابات على “حبل” الضياع اللبناني.. و”بارود” الإشتباك الدولي!

/ جورج علم /

تعاني الانتخابات من يُتم كبير: لا خريطة طريق واضحة المعالم. لا طاقة خارجية “مستجررة” لتحريك “المولّدات الداخليّة”. لا ديناميكيّة محفّزة يبنى عليها. يكتفي السفراء بالسؤال: هل ستجري في موعدها؟ ليجيب المسؤولون: نعم، معطوفة على “إذا” الشرطيّة…!

الدبلوماسيّة البولنديّة يوانا فرونتسكا التي تمثّل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، حرصت على أن تصطحب معها الى نيويورك “زوّادة” حول الانتخابات، بمناسبة تقديمها تقريراً دورياً الى مجلس الأمن الدولي حول تنفيذ القرار 1701. لم تكن “جولتها” دسمة.

المسؤولون في حيرة، يؤكدون أن الاستحقاق لبناني، لكن القرار ليس في لبنان، بل عند العواصم الممسكة بالمفاصل الداخليّة.

كان التقييم رمادياً قبل الأزمة الأوكرانيّة، بعدها، دخل لبنان النفق االمظلم.

الدول الصديقة “فيها ما يكفيها”، تبحث عن نفطها، وغازها، ورغيفها، وكيفيّة تأمين أمنها الغذائي، والإجتماعي، والمعيشي، ومواجهة تداعيات الإنقلاب الروسي على صيغة النظام الدولي “موديل 1945” المتحللة!

الدول الشقيقة، لم تطعن في الظهر، قدّمت ما عندها من دون ان تتورط، أعطت النصح. قدّمت المساعدات، بعد إنفجار المرفأ، ضمن الممكن. حذّرت من التمادي الداخلي في إنهاك البلد، وتحويله الى حلبة مبارزة مجانيّة أمام صراع المحاور.

هذا كان قبل خروج “الدب” الروسي من معقله لتأديب “الأرنب” الأوكراني.

بعد 24 شباط الماضي، تغيّر المشهد، إنقلبت التوازنات رأساً على عقب، وراحت الدول تسعى إلى حماية رأسها من هول الإعصار، وتستنفر قواها للحفاظ على ما عندها من توازن إقتصادي، إجتماعي، معيشي، وحماية شعوبها من أنياب الجوع!

الاتحاد الأوروبي الذي اختطف لبنان، بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، إلى المحور المندد بالعملية العسكريّة في أوكرانيا، يؤكد أن البلد لا يزال “ممسوكا” دوليّاً، ومن “المستحسن” إجراء الإنتخابات، لأن كلفتها الأمنيّة، الإقتصاديّة، والسياسيّة ستكون أقل من تلك التي ستترتب، في حال تأجيلها!

الاتحاد الأوروبي ملمّ تماما بنواقص الانتخابات، والعيوب التي تعتري مسيرتها. يعرف أن نسبة المقاطعة ستكون مرتفعة، وأن التغيير سيكون محدوداً جدّاً.

“التغييريّون” ليسوا “أولاد كار”، تنقصهم الخبرة، والدرايّة، ويشتتهم التبعثر، وسوء التنظيم. ليس هناك من قيادة واحدة موحدة. ليس هناك من برنامج عمل واحد واضح. ليس هناك من تنسيق، وتعاون لاختيار الأفضل والأكفأ… هناك شعار “الثورة”، و”الثوّار”… لكن لا “الثورة” تحررت من عباءة الشعارات الطنانة، ولا “الثوار” نظّموا الصفوف والأدوار، وأمسكوا جيداً بدفة الاستحقاق…

لكن، ورغم كل العيوب، لا بدّ من الانتخابات، لأنها ستكون منطلقاً لمسار مرسوم ترعاه “المجموعة الدوليّة لدعم لبنان”، يبدأ باستحقاقها، وينتهي بمؤتمر دولي خاص، تحت إشراف الأمم المتحدة، لإقرار عقد إجتماعي جديد، يشكل القاعدة التي تنطلق منها ورشة إعادة ترميم، وتأهيل لبنان المشلّع”.

أما الكلفة التي قد تترتب، في حال التأجيل، فتتمحور حول عناوين عدّة، أولها ضرب الميثاقيّة التي قام عليها لبنان 1948.

قد يكون من المحتمل إيجاد “بشارة الخوري” آخر في صفوف المسيحيين، لكن يبدو من المتعذر، لغاية الآن، إيجاد “رياض الصلح”، بعد خروج تيار “المستقبل” ـ او إخراجه ـ من المعادلة، دون أن تنبري أي كفاءة أخرى صاحبة وزن، وثقل، وتاريخ وطني وسياسي معروف، لتعديل الكفّة، وفرض التوازن الضروري والملح، لتنقيح صيغة الميثاق ـ الضرورة…

هناك رهان، لا يزال افتراضيا لغاية الساعة، أن يلعب الرئيس فؤاد السنيورة، دور “الرافعة”، وهو ليس بالبعيد عن بكركي، وبعض الرموز الوطنيّة الأخرى، لكن تبقى الخشية قائمة في كل الأحوال من أن يكون من أوحى لـ”المستقبل” بالعزوف، قد يوحي للسنيورة بالابتعاد عن “كرة النار”!

ثانياً: إن ضرب “الميثاقيّة”، وبالشكل النافر الذي يفرضه فائض القوّة، واختلال التوازن، سيؤدي حكماً إلى اتساع رقعة الفوضى لتصيب الرمق الأخير من الأمن والإستقرار.

لا أحد ينكر اليوم حجم التداعيات السياسيّة، والماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والصحيّة، والتربويّة، والثقافيّة، التي تثقل الواقع اللبناني، يضاف إليها فوضى التداعيات المتأتية من الأزمة الأوكرانيّة، والتي ألهبت أسعار القمح، والنفط، والسلع الإستهلاكيّة، مما يدفع بالبركان اللبناني المستعر الى الانفجار.

ثالثاً: بات واضحاً ان الأزمة الأوكرانية، قد انعكست سلباً على مفاوضات فيينا النووية، وأوقفت الدفع الإيجابي بإتجاه الإتفاق الى حين. وهذه “الحين” قد تصبح مرتبطة أكثر بمدار التحالفات الجيوسياسيّة الجديدة، بما في ذلك توزيع الأدوار بين القوى الرئيسيّة في الشرق الأوسط، والاستقطابات الجديدة التي ستفرضها المحاور.

إن لبنان الذي وهب صوته للأميركي في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، مندداً بـ”الغزو الروسي”، قد فاته أن روسيا عند عتبة بابه، وأن إيران “تُغمّس” في صحنه، وإذا كان أحد المرشحين يشكو من التدخل السوري ضد مصلحته… فما حالنا إذا ما قرر الروسي الجاثم في سوريا أن يكون له رأي في الانتخابات… وما قد يبنى عليها؟!