| فيصل طالب | (*)
تشكّل الأطر المرجعية للكفايات الإدارية قاعدة الإسناد القانوني والتنظيمي والإداري والثقافي لتحسين أداء الموظّف الإداري، في أيّ موقع كان، وإلى أيّ فئة انتمى، والتي تتيح تحديد المكوّنات المُدْمَجَة للكفايات المطلوبة للعمل المنتج (المعارف والقدرات والمهارات والمواقف والأخلاق المهنية)، وتوفّر سُلّماً منظّماً وشاملاً يتمّ بالاستناد إليه تقييم عمل الموظّف، وقياس مستوى أدائه، وفق قواعد الالتزام بمعاييرالتقييم الموضوعي البعيد عن الأحكام الذاتية والاستنسابية، وعلى أساس التوصيف الواقعي للسلوكيات الوظيفية القابلة للملاحظة والقياس، في وضعيات مختلفة، وفي سياقات متعدّدة؛ الأمر الذي يسمح بتقييم الفروقات بين الكفايات المحصّلة وتلك المتوقّعة، وتسليط الضوء على مواطن الضعف في تمثّلها وتطبيقها؛ بحيث يتيح ذلك وضع برامج الاستلحاق والتطوير، في إطار عمليات المراجعة والتعديل والتحديث المنتظمة التي يجب أن تستجيب دائماً للمتغيّرات والطبيعة الديناميكية المفترضة للإدارة؛ فضلاً عمّا يوفّره كل ذلك من إمكانية الكشف المتدرّج عن القدرات المتاحة للموظّفين الجديرين بالترقية والترفيع والإثابة المعنوية والمادّية.
إنّ صياغة الأطر المرجعية للكفايات الإدارية يجب أن تكون مرتبطة ارتباطاً عضوياً بمتطلبات الإدارة وحاجاتها الحقيقية، وعلى أساس بلورة ما هو متوقّع من الموظّف أن يقوم به، لا أن يُكتفى بتوصيف وضعه الوظيفي الراهن؛ على قاعدة أنّ الإطار المرجعي للإدارة لا يُنظر إليه باعتباره الأداة التي تسهم في تظهير الاستراتيجية الإدارية القائمة، وتحديد الواقع الإداري المَعيش، بل هو منطلق للعمل الإداري الخاضع للتقييم المستمر، أفراداً ووحداتٍ، يتمّ الارتكاز إليه في عمليات التفعيل والتحفيز والتطوير ورفع مستوى الإنتاجية… وهو في هذا النطاق أداة إجرائية / تقييمية تتسم بالمرونة والحيوية، وتؤسّس لثقافة إدارية ناشطة وبنّاءة تخرج الواقع الإداري من إطار المراوحة بل التقهقر، إزاء ما يشهده العالم من ثورة تكنولوجية ورقمية، وما يفرضه اقتصاد المعرفة من تحدّيات، لجهة مدى قدرة إدارة الموارد البشرية، بمناهجها وأنظمتها وآلياتها القائمة، على التكيّف مع متطلباته؛ إذ إنّ الممارسات التقليدية في هذا النطاق قاصرة عن تحقيق الأهداف وتسجيل علامات الابتكار والتميّز.
إنّ اعتماد الأطر المرجعية للكفايات الإدارية يشكّل في واقع الأمر ركيزة رئيسة في عمليات تثمير الموارد البشرية في الإدارة، ورافعة لوسائل تطويرها، من منطلق الوعي بأولوية العنصر البشري وأوّليته في مسار الإصلاح والتحديث الإداري الذي يسمح بمجابهة الصعوبات والتحدّيات الواقعة على الإدارة اللبنانية، بمختلف أنواعها ومستوياتها. ولعلّ المدخل إلى كل ذلك هو إقرار سياسة جديدة للرواتب والأجور ترتكز إلى توصيف وظيفي دقيق ينطلق من تقسيم المهام في كل فئة من فئات الموظّفين إلى مهام إدارية وفنّية، ومن ثَمَّ إلى مهام قيادية وإشرافية وتقريرية وتنفيذية؛ بحيث يُصار إلى اعتماد أساس واحد للرواتب ضمن الفئة الواحدة، ثمّ تّضاف إليه تعويضات معيّنة تتصل بطبيعة المهمة وتميّزها عن غيرها بما تتطلّبه من مجهودات خاصة…
إنّ إقرار نظام متطوّر للرواتب والأجور، يماشي التناسب الطردي بين الحقوق والواجبات، ويحقّق مبدأ العدالة بين الموظفين بناء على طبيعة المهام الوظيفية التي يشغلونها، هو جزء أساس من أيّ رؤية تنموية للإدارة اللبنانية. ولن تستطيع أيّة محاولات إصلاحية تهدف إلى تحسين صورة الأداء الإداري العام، من طريق رفد الأدارة بمقوّمات تحديثها ورفع منسوب إنتاجيتها، من دون مقاربة الواقع المعيشي الذي ما زال يرزح تحت وطأته الموظّفون العموميون، العاملون والمتقاعدون، منذ بداية الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد اعتباراً من العام 2019.
(*) المدير العام لوزارة الثقافة سابقاً