خطّة بايدن.. والتأشيرة الإيرانيّة.. والخليج المتحفّظ.. والغد القاتم!

| جورج علم |

… وتهبّ رياح حارّة هذه المرّة من الخليج. لا يكفي ما يجري في البحر الأحمر، لقد تحوّل إقتناص السفن إلى حدث يومي روتيني، رغم خطورته العالية، والكلفة المكلفة. ينشغل بعض الخليج بترتيبات عميقة يعمل عليها الحاسوب الأميركي حول مسارين:

• الإعداد لمرحلة زمنية يمكن الإعلان في ختامها عن قيام “دولة فلسطينيّة ما” على “أراض فلسطينيّة ما”، وفق نطاق “حل الدولتين”.
• يوازي ذلك، التسليم بنفوذ إيراني في كلّ من لبنان وسوريا والعراق واليمن.

لا أحد يتحدّث عن “صفقة” أو “تسوية”، لكن عن “ترتيبات” هي مدار أخذ ورد، بين واشنطن وبعض عواصم دول الخليج، وتستحوذ على الكثير من العناية، والدرس، والتشاور، والإحاطة الدقيقة بالأبعاد والمضاعفات.

حتى الآن، ليس من ضوء أخضر. الخليجيّون في الموقع المتحفّظ، لكنهم أيضاً في موقع الإستقطاب. بمعنى أن الإدارة الأميركيّة الحاليّة منفتحة بقوّة، وبأساليب تختزن الكثير من المغريات. خطوط تنسيق عالية الجودة. زيارات، وإتصالات، وإجتماعات، و”كولسات” حول ملفات إقليميّة ودوليّة، وتبادل معلومات، وتطمينات بعدم الإقدام على أي خطوة إلاّ بعد التوافق حول ما تمليه “المصالح المشتركة”.

ويستند التحفّظ الخليجي إلى ماض غير مهمور بخاتم الثقة. بين الخليجييّن والولايات المتحدة تاريخ طويل من العلاقات المتأرجحة ما بين مدّ وجزر. لم تصل في أفضل الأحوال إلى تحالفات استراتيجيّة مستندة إلى التزام مبرم بتنفيذ خريطة طريق واضحة الأهداف والمعالم. ولم تصل في أسوأ الأحوال إلى حدّ القطيعة. وما بين الحديّن، سارت الأمور إلى أن اجتاحت “جائحة كورونا” العالم، وأرخت بثقلها على الإقتصاد، وحدّت من البحبوحة المعيشيّة – الإجتماعيّة. وحصل أيضاً أن تولّت قيادات شابة طموحة مقاليد الحكم في الخليج، تزامناً مع تهافت دول كبرى على قيام علاقات تجاريّة، واستثماريّة في مجالات الطاقة، والصناعة، والتكنولوجيا. كلّ هذه الأسباب، وغيرها، أحدثت “صدمة كهربائيّة” لدى الإدارة الأميركيّة أعادتها من عالم اللاوعي إلى أرض الواقع، وبيّنت كم أن الموقع الذي احتلته دول الخليج عند المنعطف الدولي، مهم وإستراتيجي، ليس على مستوى الشرق الأوسط، بل ما بين القارات الأوروبيّة، والآسيويّة، والأفريقيّة.

جديد الكلام يدور حول “الرياح المغبرّة”، الناشطة هذه الأيام على خطّ الإستواء الأميركي ـ الخليجي. خطة الرئيس بايدن حول غزّة لم تأتِ من فراغ. جاءت نتيجة استياء خليجيّ عارم. الدم الفلسطيني له ثمن، ولا يمكن أن يذهب هباء. والمجازر التي يرتكبها العدو هي بسلاح أميركي، وضوء أخضر أميركي، وتنسيق مخابراتي أميركي، وازدواجيّة المعايير سقطت في بركة الدم المستحدثة في مخيم النصيرات، لا يمكن للأميركي أن “يتبجح” بتقديم المعلومات لبنيامين نتنياهو حول الأسرى الأربعة، ويغض الطرف عن 300 ضحيّة ومئات الجرحى من الأطفال العزل.

بعد “المذبحة” هذه. هناك خطاب خليجي جديد. نجاح مبادرة بايدن حول غزّة، مطلوب من غرفة عملياته، من كبار مستشاريه، ومعاونيه، عليهم إعادة النظر بخريطة الطريق، والأسلوب. “الإزدواجيّة” فقدت سحرها كونها فقدت صدقيتها. في الوسط الخليجي كلام من نوع آخر: هل نتنياهو هو رئيس الولايات المتحدة، ويتحكّم بمؤسسات القرار، أم جو بايدن؟! وهل بايدن قادر أن يمارس نفوذه على صقور الإجرام، أم فاقد الصلاحيّة، وفاقد القرار، وفاقد الشخصيّة الحازمة لإنقاذ ما تبقى من ماء وجه؟!
إستدعى الخطاب الخليجي وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن إلى المنطفة، وأيضا مستشار الأمن القومي جيك سيلفيان، وأيضاً وأيضاً بعض كبار المسؤولين والجنرالات في وزارة الدفاع.

هذه الإندفاعة لها ما لها، وعليها ما عليها. الخليجيّون غير مستعدين لـ”رسملة خطة” بايدن من دون شروط، والتزامات. وإذا كان لا بدّ من “رسملة”، فيفترض أن تأتي بعد إقناع واقتناع. المعروض قيد التداول لا يكفي. التعاون الأمني الإستراتيجي ما بين الولايات المتحدة والمملكة العربيّة السعوديّة، غير كاف، على الرغم من أهميته، للسير بخطوات التطبيع. لا تزال الرياض متمسكة بشروط الإعتراف الأميركي ـ الأممي ـ الدولي بقيام الدولة الفلسطينيّة، ضمن حل الدولتين. والحصول على مفاعلات نووية للأغراض السلميّة، وعدم امتلاك “الجيران” قنبلة نووية، وتحقيق إستثمارات تكنولوجيّة جديّة، وأمن الخليج.

وما يزيد من “إغبرار” الجو، أن الدبلوماسيّة الأميركيّة أبلغت من يعنيهم الأمر بأن نجاح خطة بايدن، نجاح “للمصلحة العربيّة”، لأنها المدخل لـ”اليوم التالي” في غزة. و”اليوم التالي” في غزّة، سيكون ـ عند تحقيقه ـ المدخل لإعلان الدولة الفلسطينيّة، وقيام الدولة الفلسطينيّة يفقد طهران أهم ورقة تستخدمها راهناً لتبرير سيطرتها على عواصم عربيّة أربع.

وقبل أن تتحرك دبلوماسيّة الرئيس بايدن نحو الشرق الأوسط، أجرى شخصيّاً سلسلة من الإتصالات المباشرة مع بعض قادة دول الخليج لتسهيل المهمة، وتوفير الرسملة، وتمنّى على أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد استخدام نفوذه لدى الإيرانيين، لقناعة واضحة لدى البيت الأبيض بأن لا نجاح للخطة، إلا بموافقة القيادة الإيرانية التي أبلغت الوسيط القطري بقائمة الشروط والأهداف التي تريدها لفتح مزدوجين حول المبادرة.

ومع حماوة خطوط الاتصالات، أخذ الخليجيّون علماً بأن نجاح مبادرة بايدن حاجة انتخابيّة أميركيّة داخليّة، لتعويم رصيده على أبواب تشرين. ولا مانع لدى إدارته من الإقرار بنفوذ إيراني في بعض المحيط العربي، إذا كان التجاوب مع المبادرة شفّافاً وفاعلاً.

وصل بعض غبار الخليج إلى لبنان الواقف أمام خيارين: التسليم بمشروع المقاومة.. أو بمشروع تعديل الخرائط… الغد قاتم؟!

* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها *