| نقولا ناصيف |
رغم الانطباعات المتشائمة التي خلّفتها وراءها زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وتباين بعض نقل عنه او اوحى به وبعض ما فُسِّر او التبس تفسيره، جزمت حصيلتها بما هو معلوم سلفاً قبل مجيئه وسيظل كذلك بعده: لا انتخاب وشيكاً للرئيس.
ليس مصدر التشاؤم ما سمعه الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وكان يعرفه وعرفه مراراً قبلاً، بل خيبته مما اعتقد انه قد يُعوِّل عليه هذه المرة. لم يُصب حدسه في الثنائي الشيعي الذي اكد امامه المؤكد.قيل في زيارة لودريان الاسبوع الفائت انه مَالَ بالافكار التي طرحها الى وجهة نظر المعارضة اكثر منه الى الحياد بين الطرفين. على الاقل في تقييم حزب الله نتائجها، دونما توقّع الثنائي الشيعي ان يجد الموفد الفرنسي في صفه، ولا هو في الاصل يحتاج اليه كذلك لاسباب شتى: اولها انه يعطي مَن يأخذ منه ويملك ان يعطي، لا مَن لا يؤخذ منه ولا يملك ان يعطي. انموذجه الاول الاميركيون وموفدهم الخاص آموس هوكشتاين الذي يحاوره من طريق الرئيس نبيه برّي. ثانيها ان ليس في وسع الفرنسيين تقديم ضمانات في الداخل ومع الرئيس الجديد كما حيال الاشتباك الناشب في الجنوب بين حزب الله واسرائيل. ثالثها وقد يكون الاهم في تقييم الحزب ان الزائر اظهر عجزه كما عجز دولته عن انجاح مهمة يدور في فلكها زيارة بعد اخرى.
يقال في الرجل انه يجتمع بالافرقاء انفسهم، فيُسمعونه ما قالوه له قبلاً بلا فاصلة اضافية، ويتأكد مرة تلو مرة ان المشكلة تدور من حول معضلة واحدة هي ان كلا من الثنائي الشيعي والمعارضة المسيحية يريد رئيساً ليس على طرف نقيض من الآخر فحسب، بل على صورة مشروعه هو وخياراته وتحالفاته الداخلية والاقليمية، ما يستحيل الوصول اليه في ظل موازين القوى والانقسام الحاليين.
طابَقَ حزب الله حواره مع لودريان على صورة ما فعل حيال الورقة الفرنسية التي حملها وزير الخارجية استيفان سيجورنيه. في اليوم الثالث على تسليمها وصل الى الوزير الفرنسي من خلال رئيس البرلمان رد الثنائي الشيعي على اقتراحاتها بملاحظات وافرة تفضي اخيراً الى تجويفها تماماً من كل قالت به. لم يقل انه يرفضها ولم يقل بالموافقة، واخذ عليها عدم توازنها.
ملاحظاته عبّرت عن موقفه السلبي منها. كذلك لقاءا 29 ايار بين رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد ثم برّي مع لودريان بأن ابقيا الخيط مربوطاً: أصغيا اليه بتمعّن وانفتاح واعادا تأكيد مواقفهما نفسها دونما الظهور في مظهر تعطيل المهمة القديمة الجديدة: لا انتخاب بلا حوار، لا حوار لا يترأسه بري ولا حوار الا في مجلس النواب، لا جلسة قبل حوار ينتهي باتفاق ما، لا انعقاد غامضاً لمجلس النواب لا يُعرف فيه مَن يُنتخب رئيساً وقد يتعذر انتخابه كما في 14 حزيران 2023، جلسات بدورات متتالية. كان لا بد في نهاية المطاف ان يخرج لودريان من المقابلتين خائباً ولم يحز الاجوبة التي يتطلبها. هي في اي حال نقيض كل ما رامه: تشاور لا حوار، لا رئيس له، يعقد خارج لبنان، يناقش الاستحقاق دونما ان يكون ثمة ضمان باتفاق على مرشح او اكثر، الذهاب الى جلسة واحدة بدورات مفتوحة للاحتكام الى الانتخاب.
ما سمعه الزائر الفرنسي من رعد لم يُرحه فحسب، بل ازعجه ودلّ في الوقت نفسه على ان انتخاب الرئيس لم يحن بعد، ولا يزال يحتاج الى الكثير من الوقت والجهود:
1 – بعدما اكد المضيف الاصرار على ترؤس رئيس المجلس الحوار والتمسك بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، قال لضيفه انه ينشىء اعرافاً في انتخاب الرئيس اللبناني فيما حزب الله متهم باستحداث اعراف من خارج الدستور. اضاف ان كلا الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون انتخبا بعد حوار اختلفت ظروفه مع كل منهما، الا انه قادهما الى الرئاسة. وهو ما يقتضي حصوله الآن ايضاً لانتخاب الرئيس. اضاف: «انت تفرض علينا اعرافاً جديدة مثلما يقال اننا نفرض اعرافاً على سوانا. لن نقبل بأن تفرض علينا هذه الاعراف».
2 – حزب الله ضد العودة الى جلسات التحدي وآخرها في 14 حزيران، وقد جرّبها كلها ولم تجدِ: «اذهب الى الرئيس برّي (الموعد التالي للودريان). اذا قال انه يريد الحوار قبل الانتخاب، فسنؤيده».
3 – ما قاله لودريان لفرنجية عشية اجتماعه برعد (28 ايار)، وهو ان حظوظ انتخابه معدومة داعياً اياه الى سحب ترشيحه، لم يأت على ذكره في الغداة رغم ان الثنائي الشيعي يقود الحملة الرئاسية لفرنجية ويخوض معركة انتخابه، بيد انه لفت رعد الى ان المجتمع الدولي يستعجل انتخاب رئيس للبنان ويلحّ عليه. جواب المضيف: ما يحدث في غزة يجعلنا نشكك اكثر في جدية المجتمع الدولي. وختم بتأكيد المضي في ترشيح رئيس تيار المردة.
4 – مرّ الموفد الفرنسي على المرشح الثالث تلميحاً بتحدثه عن فشل جلسة 14 حزيران ما يحتم انسحاب مرشحيْها فرنجية والوزير السابق جهاد ازعور. ما يفصح عنه الحزب ان احداً لم يفاتحه مرة في مرشح ثالث سوى الموفد القطري «ابو فهد». عندما استقبل نواب كتلة الاعتدال الوطني تحدثوا عن آلية انتخاب رئيس وفي قرارة انفسهم انهم يقصدون سوى فرنجية وازعور. كذلك لودريان على وفرة ما شاع انه تحدّث امام رئيس المجلس وحزب الله عن مرشح ثالث، الا انه لم يأتِ على ذكره. ذلك ما يحمل الحزب على الجزم بأن لا مرشح ثالثاً بل اول ووحيد عنده هو فرنجية.