/ محمد حمية /
تضرب الساحة الداخلية عاصفة تحليلات، وتأويلات، وشائعات، واتهامات متبادلة بتطيير الانتخابات النيابية المقبلة، من دون أن يقدم أي طرف، داخلي أو خارجي، أي دليل على ذلك. وفي الظاهر لا تعدو تلك المواقف كونها “زوبعة” إعلامية في “فنجان” معركة الرأي العام، بهدف دفع كرة تأجيل الانتخابات ورميها إلى ملعب الآخرين.
لكن الغوص في عمق وبواطن الأمور يظهر أن “لا دخان من دون نار”، وأن الحسابات الانتخابية والسياسية المحلية، والمصالح الخارجية، تلّفَح ربيع الاستحقاق النيابي برياحها العاتية، وتضعه في مهب التأجيل حتى إشعار آخر، قد يُرحّل إلى “خريف حار”، عبر تسوية رئاسية جديدة يجري طبخها على “الحامي”، أو إلى موسم حصاد مقبل.
حتى اليوم، أي من الأطراف الداخلية لم يُعلن ما يُضمره في “قلبة” الانتخابي إلى الملأ، رغم أن بعض المواقف تُعبّر عن “فلتات” لسان، لكن الجميع يكررون معزوفة “ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها في أيار”. بيد أن تحليل خريطة الحسابات الانتخابية والسياسية، لدى مختلف الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية الفاعلة على الساحة اللبنانية، تُخفي في سطورها حقيقة المواقف.
وإذ لم يُكشَف عن “مصنع” خبر تأجيل الانتخابات، يبدو أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا تأثرت بالمنخفض الجوي الانتخابي، وافتتحت المعركة باتهام أحزاب كبرى في لبنان بمحاولة تأجيل الانتخابات، غامزة من قناة “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
المطلعون على أجواء فريق “الثنائي الشيعي” و”8 آذار”، يؤكدون لموقع “الجريدة”، تمسك حركة “أمل” و”حزب الله” والحلفاء بالانتخابات، وينفون أي نية لتأجيلها، كما يسوق الخصوم السياسيون وتروج “غرف سفارة عوكر”، ويتهمون الأميركيين بالعمل في السر لتأجيل الانتخابات. ويضعون حرص واشنطن على الاستحقاق الانتخابي في اطار المغالاة في “حب لبنان” ،للتغطية على الإطاحة بالانتخابات، وتحميل “حزب الله” مسؤولية ذلك.
ويكشف المطلعون عن وجود “مؤامرة” لتطيير الانتخابات، بعدما ظنت واشنطن أن الانتخابات ستقلب الموازين الانتخابية، وتنقل الأكثرية النيابية من ضفة المقاومة و”التيار الوطني الحر” الى ضفة “14 آذار” مع تحالف قوى المجتمع المدني. وتعوّل واشنطن، بحسب المصادر، على “قرصنة” الساحة السنية، بعدما غادر ملعبها الرئيس سعد الحريري مرغماً، لـ”القوطبة” على أغلب المقاعد السنية.
وتُشير المعلومات في هذا السياق، لموقع “الجريدة”، الى أن أكثر من طرف فاعل في الساحة السنية يتوثّب للانقضاض على التمثيل السنّي، عندما تهدأ العاصفة الهوجاء التي هبت في “قلب” الطائفة السنية بعد “تطيير” زعيمها الأول.
وتكشف المعلومات أن السفارة الأميركية كلّفت شركات أجنبية وعددًا من مكاتب الدراسات، بإجراء احصاءات واستطلاعات للرأي، أظهر آخرها أن “حزب الله” وحلفاءه سيحصدون، من دون “التيار الوطني الحر”، ما بين 42 و46 مقعدًا، و”التيار الوطني الحر” بمفرده ما بين 22 و24 مقعداً، أي ما مجموعه 72 نائباً، وبالتالي الأكثرية النيابية.
ولذلك بدأت “عوكر” بإعادة النظر بجدوى إجراء الانتخابات، بعدما تبين لها بأن “البساتين الانتخابية” التي زرعتها غير مثمرة، وبدأت التخطيط لافتعال إشكالات مع “حزب الله”، وأعطت إشارة الى الإعلام التابع لها في لبنان لتكثيف المقابلات التي تستفز “حزب الله”.
في المقابل تتهم مصادر في “14 آذار، عبر موقع “الجريدة”، “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بالعمل لتأجيل الانتخابات، كون “التيار” لا مصلحة له بإجرائها في ظل تراجع شعبيته منذ 17 تشرين حتى اليوم، بعد الفشل الذريع للعهد الرئاسي الحالي في الحكم، ولذلك من مصلحته التأجيل، والحفاظ على كتلته النيابية، وتمثيله المسيحي، فلا يحتمل صدمة انتخابية قبيل بضعة أشهر من موعد انتخابات رئاسة الجمهورية. وهذا يتلاقى، بحسب المصادر، مع مصلحة “حزب الله” الذي لا يريد “هزة” انتخابية ونكسة سياسية، تُعكّر نتائجها صفو الأكثرية النيابية الداعمة للمقاومة في الخيارات الاستراتيجية، رغم الخلافات الداخلية التي شلّعت “شجرة” تحالف “8 آذار” – “التيار الوطني الحر”، لذلك يلتئم حليفا “مار مخايل” على ضرورة الحفاظ على “الستاتيكو” النيابي والسياسي، في لحظة الإعصار الذي يضرب الإقليم.
وثمة من يهمُس في الغرف المغلقة، بأن “حزب الله” و”التيار” يتلاقيان عند الخشية من فقدان الأكثرية النيابية في المجلس الجديد الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل، وبالتالي فإن المصلحة تقتضي المحافظة على الأكثرية الحالية. إلا أن أوساط “التيار” تشدد لـ”الجريدة” على أن “التيار” له مصلحة بإجراء الانتخابا،ت لأنها ستجدد الشرعية المسيحية له وتثبتها، ما يُعزّز موقع رئيس “التيار” جبران باسيل التفاوضي في طريق الوصول الى بعبدا.
في المقابل هناك من يرى أن حساب الحقل السعودي، ومن خلفه الأميركي، لم يُطابق “البيدر السني”، بعد اكتشاف “عوكر” حقيقة مفادها أن انكفاء الحريري لن يؤدي الى تشريع الساحة السنية لـ”أنياب” رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لالتهامها.. فوفق الحاصل الانتخابي، كان الأجدى بـ”السفارة” “تزبيط” حساباتها وقياس الاوزان والاحجام على “الميزان”، وبدل خوض مغامرة إقصاء الحريري، إقناعه بالتحالف مع معراب وتجيير بعض الأصوات المستقبلية لـ”القوات” في بعض الدوائر. ما حصل أن تصريف “الإنتاج” الحريري، سيؤول إلى قوى سياسية عدة، من ضمنها حلفاء “حزب الله” في الطائفة السنية. لذلك تحركت السفيرة شيا باتجاه الكنيسة المارونية ومعراب، لتأمين المظلة الكنسية والسياسية المسيحية لتأجيل الانتخابات.
وما بين الرؤيتين، ينقسم “المجتمع المدني” على نفسه، بين مجموعات تريد الانتخابات لإثبات حضورها بعد “ثورة” 17 تشرين، وأخرى ترفض وتفضّل السير خلف رؤية “عوكر” الانتخابية.
لكن، في كافة الأحوال، فإن المراقبين للمشهد الانتخابي، يشيرون الى أن المعركة “على المنخار”، والنتائج ضبابية، ونسبة حصول الانتخابات 60 في المئة ونسبة تأجيلها 40%.