| الكويت ـ جورج علم |
تكتسي الديمقراطيّة في الكويت، حلّتها الخاصة، المطرّزة بأصالة عريقة، العابقة بروح المنافسة والمشاركة لتحقيق الأفضل. إنها متجذّرة، حريصة على حريّة الفرد، وكرامة الإنسان، حيث المواطن مبادر، يعبّر عن رأيه، ويجاهر بقناعاته، ويختار من يحقّق تطلعاته.
ليس بالعادي أن يعود الكويتيون إلى صناديق الاقتراع في الرابع من الجاري، لإنتخاب مجلس أمة جديد، بعد أن كانوا قد انتخبوا برلماناً جديدا في سبتمبر/ أيلول الماضي. استحقاقان ديمقراطيان في غضون أشهر قليلة فاصلة، أليس هذا بأمر ملفت، ومثير؟ إنها الحيويّة السلسة الباحثة عن حلول للتحديات، من خلال صندوقة الإقتراع التي تعكس روح المشاركة في إيجاد الحلول، وصنع المستقبل.
ويعتبر أنصار الديمقراطيّة، أن تكرار حلّ مجالس الأمة، أو إبطالها بقرار معلّل، ربما سرّب الملل إلى القواعد الشعبيّة، فيما يؤكّد آخرون أن الشعب لن يملّ، وسيظلّ متمسّكاً بالخيار الديمقراطي، وإن تكرّرت الدعوات إلى انتخابات مبكّرة، طالما أن الهدف إحداث التغيير الذي يطمح إليه المواطن لتحقيق المرتجى.
كان العنوان واضحاً في انتخابات سبتمبر/ أيلول الماضي، تريد الغالبيّة “الإصلاحات السياسيّة، والإقتصاديّة”. وأثبتت التوجهات الشعبيّة تصميماً على الخروج من الرتابة، والإنطلاق في معارج الإستقرار والإزدهار. كانت المشاركة آنذاك، بحدود 56 في المئة، وكانت ملاحظات كثيرة، منها:
1 ـ إنها نسبة تقلّ عن الإنتخابات السابقة.
2 ـ أدّى مشهد الإنتخابات، للمرّة الثالثة خلال عامين، ونصف العام، إلى انتعاش “الديمقراطيّة الشعبيّة”، وازدهار “الديوانيات”، و”النقاشات المستفيضة” حول الصعوبات القائمة، وكيفيّة مواجهتها.
3 ـ دفعت حالة الصراع السياسي في السنوات الأخيرة بالناخبين، إلى اختيار وجوه شابة وعدتهم بالانتقال إلى مرحلة التنمية والتطوير، وقد بدت هذه الوعود، بحسب محلّلين، صعبة التحقيق، والدليل أن مثلّث التحديات لا يزال متماسك الأضلع: السكن. تنويع مصادر الدخل. والنهوض بمستوى التعليم.
وتحوّلت القضيّة الإسكانيّة، إلى قضيّة محوريّة، حيث ينتظر كثيرون فترات طويلة لتخصيص قسائم سكنية لهم. المسألة ليست طارئة، والملف مطروح منذ سنوات لإيجاد المخارج. وكان شبه إجماع على ضرورة تنفيذ المشاريع الإسكانيّة المدروسة والمقرّرة، كي تواكب النمو المتزايد لأعداد الطلبات، لكن وجود الرغبة لا يكفي إن لم يقترن بسرعة التنفيذ والمثابرة على تحقيق التوازن في مجتمع شبابي هدفه تحقيق الإستقرار الإجتماعي.
ويحتلّ “التنوّع في مصادر الدخل” صدارة الإهتمام. هناك النفط الذي يشكّل العمود الفقري، في حين ان المجال متاح لتنويع المداخيل الماليّة من خلال دراسات منجزة تتناول قطاعات مهمّة لا تزال لغاية الآن خاملة. من هذه الدراسات، والتصاميم، ما يتناول الاقتصاد الكويتي، وكيفيّة تفريعه، وتنويعه، وتوسيع مجالاته، ليصبح على دخل وفير، ورقم مهم، وامتياز استيعابي يستقطب بقطاعاته جيل الشباب، بسواعده الفتيّة، وعقوله النيّرة. وهناك توجّه موضوعي علمي لتوسيع قطاع السياحة والترفيه، بما يتوافق وروح العصر من جهة، ويحترم الخصوصيات المجتمعيّة من جهة أخرى. وهناك نوافذ بدأت تطلّ على مجالات أخرى مؤهلة لأن تتحوّل إلى فرص استثمار واعدة، لكنّها ـ حاليّاً ـ لا تزال معلّقة على وتد الإنتظار.
وتبقى قضيّة “رفع مستوى التعليم” من القضايا التي تشغل المجتمع الكويتي. ويدور نقاش منذ سنوات، حول ضرورة زيادة الإستثمار في التعليم، وتحديد الأولويات الرئيسيّة للتمويل، مثل تحسين البنية التحتيّة، وتوفير الموارد التعليميّة الفعّالة، والدعم الفني، وتدريب المعلّمين، وتحديد المعايير الوطنيّة والدوليّة، وتطوير المناهج الدراسيّة، والأساليب التعليميّة، وطرق التقييم، وتوفير فرص التعليم للجميع، والمطالبة بوضع العديد من الإجراءات لمكافحة ظاهرة الغش في المدارس، وتوعية الطلاب من خلال التركيز على أهميّة المصداقيّة والنزاهة في الحياة، وتشجيعهم على الاعتماد على قدراتهم الذاتيّة والمعرفيّة في إنجاز المهام والإختبارات، وتوضيح عواقب الغش على المدى البعيد.
وعلى الرغم من أهميّة الملفات التي لا تزال في حلبة المراوحة، تبدو انتخابات الرابع من أبريل/ نيسان 2024، مفصليّة، لها نكهة إصلاحيّة مميزة، تتصف بالجديّة والحزم على إدراك الطريق، والإنسحاب من الشعاب، والخروج من حلبة السجالات السياسيّة، إلى بناء المستقبل الواعد.
يقول المحلّلون إنها إنتخابات “المسار الجديد” الذي أطلقه أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. مسار جريء وشجاع، جاهر بعناوينه في الخطاب الذي ألقاه في مجلس الأمة بعد مراسم أدائه اليمين الدستوريّة، (20 ديسمبر/ كانون الأول 2023). يومها وضع النقاط على الحروف، وهزّ مهماز الإصلاح، واعتبر “أن السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة توافقتا على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”. واستهدف بشكل خاص “التسابق في ردّ الإعتبار للمدانين بجرائم سياسيّة، بإعتباره أفضل دليل على هذا الضرر”. واتهم السلطتين بـ”التآمر لإسباغ مسحة من الشرعيّة على ذلك، رغم ما ينطوي عليه من عبث مبرمج”. وأشار إلى قراره “إصدار مرسوم يقضي بتجميد جميع التعيينات والترقيات والمناقلات الحكوميّة لمنع استغلالها في المساومات السياسيّة”، وتأكيده “على الحاجة للتنمية من خلال الرقابة المسؤولة، والمساءلة الموضوعيّة والجادة في إطار الدستور والقانون”.
إنها إنتخابات “التغيير” الذي يريده أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، القائم على التصميم، والموضوعيّة، والحزم، والشفافية، للخروج من “الشرنقة”، وصنع المستقبل الذي يليق بدولة الكويت، وبديمقراطيتها العريقة.