|رلى إبراهيم|
تمثل القاضية غادة عون اليوم أمام الهيئة القضائية العليا للتأديب، تلبية لطلب حضورها أمام الهيئة الناظرة في استئناف قرار المجلس الصادر بتاريخ 4 أيار 2023 بفصلها من الخدمة. ولا تبدو مستغربةً الهرولة المستمرة لإقصائها عن الملفات التي تتابعها، خصوصاً في ملف المصارف وحقوق المودعين. حيث ابتدعت الاجتهادات القانونية والقضائية لإبعادها عن الملفات، وفي مقدّمها ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة والمصارف. فالقاضية عون، ومعها فقط القاضي جان طنوس، ذهبا إلى أبعد الحدود في التحقيقات. وهي لم تخضع للترهيب والابتزاز السياسييْن والقضائييْن ولا ضعفت أمام الحملات الإعلامية المموّلة. بل واصلت عملها في ملفات فساد تبدأ بزعماء كبار وتمرّ بسياسيين ومجالس إدارات مصارف ورجال أعمال نافذين، وصولاً إلى الغوص في تفاصيل المخطط الاحتيالي الذي أدّى إلى السطو على مليارات الدولارات وتهريبها عبر شركات وحسابات وهمية إلى بلدان أوروبية.لا يمكن التكهن في ما ستخرج به الهيئة القضائية العليا للتأديب، لكنّ المؤشرات تقود إلى القرار بفصلها نهائياً، وسط تحفظ القاضية عون على كيفية مواجهة هذا الحكم والوقوف في وجهه. وتتألف الهيئة من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود و4 أعضاء معيّنين: القاضي حبيب مزهر (لم يبت في طلب القاضية هيلانة اسكندر لإعادة تفعيل دعوى الدولة ضد سلامة)، القاضي عفيف الحكيم، القاضي الياس ريشا والقاضي داني شبلي. ولا حاجة إلى شرح حول وجود رابط قوي بين القضية الحالية، وما وصلت إليه القاضية عون في تحقيقاتها مع أصحاب المصارف ومجالس الإدارات، حيث وضعت إشارة منع تصرف على غالبية عقارات المصرفيين وأبنائهم كما حجزت على أموالهم، ما دفع الكثير منهم إلى التجاوب مع طلبها برفع السرية المصرفية عن حساباتهم. ووصل الأمر ببعضهم إلى عرض تسييل بعض العقارات كضمانة لإيفاء أموال المودعين.
وعلمت «الأخبار» أن المداولات بين عون وهؤلاء المصرفيين، وصلت إلى التوافق على آلية لوضع أموال العقارات المسيّلة في مصارف المراسلة بحيث تكون محمية ومضمونة لتعاد إلى المودعين مقابل استفادة المصارف من الفوائد، على أن يتم الأمر بإشراف النيابة العامة التي تودع لديها كتب يوقّعها المصرفيون وفيها تعهّد بتسديد حقوق المودعين.
وبحسب المعلومات، فإن بنك بيروت أعلن عن قرب الاتفاق مع أحد المهتمين بشراء عقارات يملكها بقيمة 37 مليون دولار، بينما بلغت قيمة العقارات التي عرضتها رئيس مجلس إدارة بنك ميد ريّا الحسن نحو 6 ملايين دولار، بعدما أكدت عدم توفر سيولة لدى المصرف لتسديد الأموال بحسب التعميم 158. في موازاة ذلك، استدعت عون رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ على إثر الإخبار المقدّم من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، والذي أفاد بفقدان 60 مليار دولار من المصارف. وقد تم تزويدها بمعلومات مقابل أن تطلب من المصارف لائحة بكل التحويلات التي أجرتها من جهة، مع لائحة بأسماء جميع من سدّدوا ديوناً مترتبة عليهم بالدولار، لكنهم دفعوها بالليرة اللبنانية، مع اعتماد سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار.
عودة إلى «أوبتيموم»
أما الملف الأهم في أوراق القاضية عون، فهو المتعلّق بشركة «أوبتيموم» التي تولّت عمليات مالية لمصلحة مصرف لبنان. وقد أمكن لعون الحصول على معطيات كثيرة وذات حساسية عالية، ويفسر البعض ورود هذه المعلومات كسبب وراء الإسراع في البتّ بقرار فصلها. وعلمت «الأخبار» أن القاضية عون تبلّغت قبيل أسبوعين، معلومات تفيد بأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يضغط باتجاه تعيين جلسة قريبة لها بعد تطرقها إلى ملفات «حساسة» مستخدمة سلطتها كنائب عام؛ وهكذا ما حصل. وقد تم الأمر بالتضامن والتكافل مع الهيئة العليا للتأديب التي تتحمّل اليوم مسؤولية تجميد التحقيقات في سرقة أموال المودعين.
ولعل ملف شركة «أوبتيموم» الذي ركّزت عليه القاضية عون، هو السبب الرئيسي خلف أي قرار للإطاحة بها. وعلمت «الأخبار» أن عون استدعت منذ مدة الفريق الإداري الجديد للشركة الذي أبلغها أنه لجأ إلى شركة «كرول اسوشيتس» وهب شركة تدقيق مقرها بريطانيا، (وهي غير شركة «كرول» الأميركية) لإجراء تدقيق جنائي في حسابات الشركة، وسلّمها نسخة عن التقرير النهائي الذي أصدرته «كرول» في تشرين الثاني من عام 2023.
وبحسب مصادر مطّلعة على التقرير، فإن حصة «أوبتيموم اينفست» من العمولات جراء عقدها مع مصرف لبنان بلغت في عمليتين مختلفتين 11 ألفاً و696 دولاراً بينما تم تحويل الأموال الضخمة إلى حساب خاص في المصرف المركزي يُدعى حساب «الاستشارات» في فترات متتالية منذ عام 2014 وقد سجلت عمليات الحساب نحو 12 مليار دولار. وهو الحساب نفسه الذي كشفت عنه شركة «ألفاريز أند مارشال» في تقريرها حول مصرف لبنان، والتي أوضحت أن الحاكم السابق لم يسمح لها بالولوج إليه.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن تقرير التدقيق الجديد، سيشكل خرقاً غير عادي في ملف سلامة ورفاقه، ويقود إلى تحوّل كبير في طبيعة التحقيقات التي كانت تقتصر على شركة «فوري» التي يملكها رجا سلامة شقيق الحاكم السابق.