اللبنانيون ضحايا “التشليح” والسرقات: “استقالة” الأمن.. والشارع لـ”الزعران”!

| ناديا الحلاق |

بكل هدوء وثقة، يقترب شاب من “محمد” (اسم مستعار) الذي يسير إلى جانب الطريق على متن دراجته النارية بعد طريق دوار السلام في طرابلس، يسحب مسدسه، يضعه في خاصرته ويطلب منه تسليمه كل ما في جيبه… عملية التشليح هذه لم تحصل في ساعة متأخرة من الليل.. بل في وضح النهار.

يروي “محمد” لموقع “الجريدة” كيف تحايل عليه شاب على الطريق وسأله إن كان يعرف “فرن الزعرور”، ليقترب منه ويهدده بقوة السلاح طالباً تسليمه كل ما في محفظته.

ويقول محمد بحسرة: “استسلمت له وأعطيته كل ما لدي، 550 ألف ليرة مصروفي الشخصي و650 دولار كنت قد ادّخرتها لشراء أدويتي من تركيا. وكان يريد أيضاً سلب دراجتي النارية وهاتفي، إلا أن مشيئة الله منعته من ذلك”.

“وائل” كان عائداً بسيارته إلى منزله ليلاً مع زوجته الحامل، وعلى الطريق العام لاحقته سيارة رباعية الدفع بزجاج داكن وهي تطلق “الزمور” الذي تستعمله القوى الأمنية، قطعت الطريق عليه ونزل منها شخص حاول اقتحام السيارة بالقوة فصعد “وائل” بسيارته على الرصيف وتمكّن من الهرب.

“ربيع” كان عائداً من بيروت باتجاه الشمال، في منطقة عمشيت، وفي “عزّ الضهر”، دراجة نارية تقترب منه وتصطدم به، يتوقّف للاطمئنان، فيصعد راكب الدراجة خلفه فوراً ويشهر مسدساً ويطلب منه إعطاءه كل ما يملك والهاتف ومفاتيح السيارة.. نجح في رمي مفتاح السيارة خارجاً، لكن السارق أخذ منه أمواله وهاتفه.
على طريق المطار، “كمين” تشليح تحت جسر “الطيونة”، يقتل شاباً بهدف السطو…

مرايا السيارات تسرق علناً في بيروت، وفي الضاحية يستولي السارقون على ما تصل إليه أيديهم.
حوادث السطو المسلح والتشليح والسرقات تنتشر في طول البلد وعرضه، في ظل تقاعس غير مفهوم لجميع الأجهزة الأمنية. لا أمان على الطرقات الدولية ولا أمان في الشوارع الرئيسية والشوارع الداخلية…!

مسلسل التشليح والنهب بات من يوميات البلد المنكوب، الذي تعيش أصعب الظروف اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. أما الشكوى للقوى الأمنية هي بلا طائل.. إلا بالصدفة!

كثير من المواطنين لجأوا إلى شراء مسدسات مستوردة من تركيا، بسبب سعرها المتدني نسبياً، للدفاع عن أنفسهم ضد عمليات التشليح والسرقة.

فلتان غير مسبوق للسارقين والزعران.. في ظل شبه “استقالة” للأجهزة الأمنية. الطرقات أصبحت تحت سلطة السارقين والقتلة!

الجرائم والسرقات “على عين الدولة”، حتى أن مدينة طرابلس، عاصمة لبنان الثانية، ومدينة رئيس الحكومة ووزير الداخلية، أصبحت “سائبة” أمنياً، وعمليات التشليح والسطو ناشطة بقوة، وتسجل أعلى نسبة بين المناطق اللبنانية، بينما تكتفي القوى الأمنية غائبة، بشكل يدعو للريبة!

يؤكد مصدر أمني يرفض ذكر اسمه أن طرابلس “تتحول بخطوات متسارعة إلى ساحات للفلتان الاجتماعي والأمني الذي تعجز القوى الأمنية عن ضبطه”.

ويتابع المصدر: “عملية حفظ الأمن في المدينة باتت شبه معدومة بسبب النقص في أعداد العناصر والإمكانيات، لوضع حد للأحداث الأمنية والسلاح المتفلت على الطرقات. كما أن الرواتب المتدنية للعناصر قلّصت من حماستهم في تأدية واجبهم”.

وأردف: “ما يجري في طرابلس هو من مسؤولية كافة الأجهزة الأمنية، ويجب عدم ترك الأمور على ما هي عليه كي لا نصل إلى مزيد من الانحلال الأمني”.

حالة فلتان غير مسبوق تعيشها طرابلس، وكأن المدينة أصبحت خارج سلطة الدولة ومستباحة من العصابات، وهو ما تؤكده أرقام عمليات السلب والنشل والاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون بشكل يومي.

ويلفت المصدر إلى أن “انتشار المخدرات وحبوب الهلوسة، زادت من هذه الاحداث الأمنية المتنقلة في شوارع طرابلس، حتى أصبح أهل المدينة بأمس الحاجة إلى خطة أمنية جديدة تعزز السلم والأمن، وتعيد الثقة إلى أهلها وروادها، وتضع حداً لموجات التشليح والسرقات، ولفوضى السلاح المتفشي بين أيادي شبان يعبثون يومياً باستقرار وأمان المدينة”.

حال طرابلس، لا يختلف عن باقي المناطق، التي تشهد تفلتاً أمنياً غير مسبوق.

يقول “حمزة”، وهو شاب عشريني، تعرّضت دراجته النارية للسرقة، في حديث لموقع “الجريدة”: “كنت في زيارة لأصدقائي في الضاحية الجنوبية، زيارة وداعية قبل أن أسافر مغترباً لأول مرة، بعد أن ضاقت بنا السبل في وطننا. وعندما غادرت، لم أجد دراجتي، بل وجدت القفل مكسوراً، وعلمت حينها أنها سرقت، وهي الدراجة الثالثة التي تُسرق مني في خلال أربعة أشهر”.

وتتوالى أخبار سرقات المحفظة والدراجة النارية في بيروت وضواحيها، حتى باتت حدثاً يومياً مألوفاً.

وبحسب معلومات موقع “الجريدة”، فإن عناصر من حركة “أمل” و”حزب الله”، ينفذون دوريات راجلة وسيارة، ليلاً، في شوارع الضاحية الجنوبية، لمحاولة ردع هذه السرقات، إلا أن تشعّب الأحياء والزواريب تصعّب العملية.

أما في العاصمة بيروت، فالوضع أصعب مما يبدو، لا كهرباء، لا دوريات أمنية إلّا ما ندر، والمواطن متروك لمصيره ولسطوة العصابات المنظمة والتي توزع أفرادها في الشوارع الخالية.