فرنسا.. ديغول.. والموارنة!

| مرسال الترس |

لا يختلف إثنان من اللبنانيين على العلاقة التاريخية التي نشأت بين فرنسا الاستعمارية، وصولاً الى عهد الرئيس الجنرال شارل ديغول، وبين الموارنة في لبنان، حيث فصّلت الدولة المستعمرة “لبنان الكبير”، في العام 1920، لكي يخدم وجودهم في هذه البقعة من الشرق التي لها ارتباط معنوي بالمناطق الأخرى التي كانت تضم أعداداً وازنة من المسيحيين، قبل أن تدفعهم الحروب والصراعات الى الانكماش بما يوازي الزوال (أعداد المسيحيين في ليبيا والعراق، وربما لبنان، على سبيل المثال لا الحصر).

فمنذ منح فرنسا الاستقلال للبنانيين في العام 1943، بصرف النظر عن الظروف، لم تتوان العهود والحكومات في باريس عن تقديم التغطية اللازمة لدعم السلطات في بيروت، على الرغم من محاولات بريطانية ولاحقاً أميركية لاقتناص الأدوار وفق ما يتيسر، وصولاً الى العام 1959 حين وصل الجنرال شارل ديغول إلى قصر الإليزيه كرئيس للجمهورية، حيث عمل على إقامة التوازن في السياسة الفرنسية، فكان يتفاعل مع العالم العربي وقضاياه، لأنه كان يدرك جيداً أطماع “إسرائيل” التوسعية، ولاسيما في مياه لبنان، ربما لأنه أقام عام 1929 على الأرض اللبنانية لمدة سنتين وزار بلاد الأرز أكثر من مرة لاحقاً.

ولكن أبرز المواقف التي سُجلت له لصالح لبنان كانت في العام 1968، عندما قصفت “إسرائيل” مطار بيروت الدولي، فاتخذ الرئيس ديغول قراراً بمنع تصدير السلاح إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أنّ لبنان له دوره في التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب.

كانت تلك المواقف الشرارة لتوجيه تظاهرات ضد حكمه في السنة نفسها، وليدفعه استفتاء في السنة التالية إلى التنحي.

في الأسبوع الماضي، كلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصية يهودية من أصول تونسية هو غابرييل عتال (أتال باللغة الفرنسية) بتولي رئاسة الحكومة في قصر ماتينيون، ما يعني الدعم المفتوح لكيان الاحتلال الاسرائيلي وكل ما يقوم به، والابتعاد عن العالم العربي ـ ومنه لبنان ـ وقضاياه الى أقصى الحدود!

على خط موازٍ، وعلى الأراضي اللبنانية، نشر أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي مضمون قرارات المجمع اللبناني المنعقد في اللويزة سنة 1736 وجاء فيها: “نحرّض، باسم يسوع المسيح، مطارنة الأبرشيات.. والأديرة أن يتعاونوا لتعليم الأولاد.. حتى ولو غصباً عنهم. وأن يتكفلوا بغذائهم”!

وعلى ضوء تلك المقررات: “فتح الموارنة أبواب المدارس أمام كل الطوائف، وحوّلوا لبنان إلى مصدر للإشعاع الثقافي، وشكّلوا نواة النهضة العربية”.

وعندما أرسلتُ هذا النص الى أحد الأصدقاء، وهو استاذ جامعي وقريب جداً من مصادر القرار الروحي المسيحي، وكتبت تحت النص العبارة التالية: “أين الموارنة من هذا الكلام اليوم؟”. أجابني بالتحليل التالي: “الساسة منهم تجدهم في عيشة النكد لبعضهم البعض، وأمراء الكنيسة في عيش الرفاهية وإقتناء السيارات الفارهة، والتجارة في المدارس والجامعات والمستشفيات”!

أما أحد الأصدقاء من الرهبان، والذي تولى لفترة من الزمن رئاسة أحد الأديرة في الشمال، فقد أرسل لي ملصقاً تعبيرياً لأحد الأشخاص وهو يلطم راسه بالحائط!