تأخذ الأوساط العلمية منذ سنوات على محمل الجدّ إمكان استخدام العاثيات (فيروسات تقتل بكتيريا معينة، وتتوافر بالمليارات في الطبيعة) كوسيلة لمكافحة المقاومة المتزايدة التي لوحظت في كل أنحاء العالم للمضادات الحيوية، إذ أنّ هذه الكائنات الحيّة غير المرئية التي تنمو على هامش المجاري أو الأنهر، تتمتّع بقدرة كبيرة على مهاجمة البكتيريا والقضاء عليها.
ويسعى العلماء إلى مكافحة بكتيريا المكوّرات العنقودية الذهبية والزائفة الزنجارية التي صنّفتها منظّمة الصحة العالمية ضمن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والأكثر خطراً على صحة الإنسان.
وليس العلاج القائم على العاثيات جديداً، إذ طُوّر في مطلع القرن العشرين، ولكن صُرف النظر عن اعتماده بعد ابتكار المضادات الحيوية في الأربعينات.
ومع أنه بقي معتمداً في بعض دول أوروبا الوسطى، كانت تشوبه إلى وقت قريب عيوب مهمة تفسّر استبعاده، فمن الصعوبة بمكان اختيار العاثيات الملائمة وإنتاجها وخصوصاً تنقيتها”.
ويبدأ كل شيء في المختبر ببضعة لترات من المياه الآسنة، تؤخذ من المجاري القريبة من المستشفيات مثلاً، وهي الأماكن التي تنمو فيها البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
ويضع الباحثون هذه العينات على زرع بكتيريا في ما يُعرف بـ”أطباق بتري”. وإذا ظهرت ثقوب، تكون البكتيريا قد دُمّرت، ممّا يعني أنّ العاثية الملائمة موجودة. ثم يبقى للمختبر أن يزرعها، ويخضعها لعمليات ترشيح عدة، بحيث تتم تنقيتها بالكامل لتصبح خالية من أي آثار للبكتيريا الأولية.
وتُنتج هذه العملية جرعات من ملليلتر واحد، يحتوي كل منها على مقدار مليار عاثيات، ويشكل ذلك إحدى نقاط القوة الأخرى لهذا العلاج.
وأمل رئيس شركة “فيريسيديس” للتكنولوجيا الحيوية في رومانفيل، إحدى ضواحي باريس أن يتم طرح عاثيات في السوق في غضون أربع إلى خمس سنوات.
ومن هذا المنطلق، قد تصبح العاثيات جزءاً مهماً من ترسانة الأطباء لمواجهة ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية التي باتت من أبرز التحديات المتعلّقة بالصحة العامة.
وأنشأت جامعة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا الأميركية مركزاً بحثياً مخصّصاً لها.