| جورج علم |
دخلت المنطقة مرحلة تغيير الخرائط. هناك قراءتان.
الأولى، أن السابع من تشرين الأول الماضي ـ (طوفان الأقصى) ـ شكّل البداية، أو شرارة الإنطلاق.
الثانية، أن مرحلة التغيير بدأت في الأول من الجاري، بعد أن سقطت الهدنة، واستؤنف العدوان على غزّة.
وسقطت الهدنة نتيجة التباينات العميقة حول آليّة إطلاق الأسرى، وأيضاً حول “اليوم التالي” في غزة. وماذا عندما يتوقف القتال؟ وأيّ خريطة طريق يفترض اعتمادها؟
طرح السؤال مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأميركي، فيل غوردن، خلال جولته التي شملت تل أبيب ورام الله، وكانت النتيجة أن واشنطن لا تريد لـ”إسرائيل” البقاء في غزّة، وتريد القطاع بعهدة السلطة الفلسطينيّة، لكن “بقيادة جديدة مُنشّطة”، قادرة على تحمل تبعات المرحلة.
“إسرائيل”، لم تقل رأيها في “اليوم التالي”. لكنّ حكومتها المتطرّفة لا تريد دولة فلسطينيّة، ولا اعترافا بالحقوق المشروعة، وجلّ ما تريده هو تغيير خرائط، لتحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى”، وفق حدودها “التوراتيّة”.
الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، إنتقد مطلب الإدارة الأميركيّة، قيام “قيادة منشّطة” للسلطة. ودافع عن القيادة الحالية، وقال بأن السلطة موجودة في القطاع، ولكن لن تتولّى كامل المسؤوليات إلاّ بعد إنسحاب الإحتلال الأسرائيلي، وإقرار حل الدولتين، واعتراف الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، عاصمتها القدس الشرقيّة.
وانعقدت قمّة دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، فوق فوّهة البركان المتفجّر الذي يلفظ حممه الحارقة في كلّ إتجاه. كان لافتاً حضور الرئيس التركي رجب الطيّب أردوغان. الصحافة القطريّة، برّرت حضوره بأنه لبّى دعوة رسميّة تلقاها، وأنه صديق، وحليف كبير لأمير قطر ـ رئيس القمّة – تميم بن حمد. أما الصحافة البريطانيّة، وتحديداً “وول ستريت جورنال”، لم تتوقف عند البيان الختامي، وما صدر عن القمّة من قرارات وتوصيات، بل إعتبرت أن مشاركة أردوغان “إستثنائية”، لأن القمّة ناقشت مواضيع استثنائيّة، وفي طليعتها “التهجير، وكيف يمكن مواجهته”.
ويدور في الوسط الدبلومسي المحلي حديث عن أن المساعي لم تتوقف للتوصل إلى هدنة جديدة، واستكمال تبادل الأسرى والمعتقلين، وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع، لكن ما يعرقل ليس الخلاف حول الآليات التي يفترض إعتمادها، بل حول أن تكون أي هدنة، بداية للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار. وأن يكون وقف النار بداية لخريطة طريق تحدد معالم المستقبل، والأهداف التي يفترض بلوغها للوصول إلى حل نهائي.
وترتسم علامات استفهام كبرى حول حقيقة الدور الأميركي، فمن جهة، يفنّد الأعلام نقاط التباين في وجهات النظر مع تل أبيب، حيال ما يجري في غزة، ومن جهة أخرى يؤكد وزير خارجية مصر سامح شكري، ومن واشنطن تحديداً، بأن خيار التهجير لم يسقط، وهو لا يزال هدفاً يسعى إلى تحقيقه الإحتلال، وأن الإدارة الأميركيّة لم تغيّر من دعمها المطلق لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
ويأتي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كلّ من أبو ظبي والرياض، تحت عنوان “تأمين التوازن الإستراتيجي” في مواجهة “بنك الأهداف الأميركي ـ الإسرائيلي” في الشرق الأوسط. ويشمل “التوازن الإستراتيجي” 57 دولة عربيّة وإسلاميّة التقت في الرياض في 11 تشرين الثاني الماضي حول غزّة. كما يشمل حلفاً عربيّاً ـ دوليّاً يضمّ السعوديّة ومصر وقطر ودولة الإمارات، بالإضافة إلى تركيا وروسيا وإيران والصين.
وطالما أن الحديث عن محاور، واصطفافات دوليّة، وصراع مصالح، فإن المواجهة قائمة حتماً إذا لم تبادر الإدارة الأميركيّة إلى ردع الاحتلال الإسرائيلي، ومنع حكومة بنيامين نتنياهو من تحقيق مشاريعها “التوسعيّة”، وتهجير سكان غزة والضفّة الغربيّة نحو خرائط جديدة، ودول وكيانات لديها إمكانات الإستيعاب.
وليس لبنان بمنأى عن هذا المناخ التصعيدي. الكلام عن “طلائع طوفان الأقصى” ليس للإستهلاك الرخيص. إنه جدّي، وما كان ليصدر، إلاّ بعد تشاور، وتنسيق، ودرس معمّق للوقائع المعيوشة، وللخطط المستقبليّة. “الطلائع” مشروع جدّي، إذا ما تفاقمت الأمور نحو حرب واسعة في الشرق الأوسط.
وتبقى جبهة الجنوب مفتوحة لخدمة أهداف ثلاثة:
الأول، مساندة “حماس” والتخفيف من حرب الإبادة في غزّة.
الثاني، مواجهة مؤامرة التهجير، والتي بدأت في الضفّة، والقطاع، وما يستتبعها من تغيير خرائط، وكيانات.
الثالث، مواجهة محاولات تنفيذ القرار 1701، في هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ لبنان والمنطقة.