زمن “الصِغَر” الفرنسي وخسارة “الروح”!

| رندلى جبور |

في حزيران 1967، وفي ظل الحرب العربية الاسرائيلية، اتخذ الزعيم الفرنسي شارل ديغول موقفاً قاسياً تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي، ووبّخ رئيسة وزرائها آنذاك غولدا مائير، وقطع عنهم الأسلحة وطائرات الميراج.

واحتدمت بين فرنسا والكيان المحتل الذي فجّر ثورة في وجه ديغول، بعد أقل من عام، وتحديداً في أيار 1968، انطلاقاً من الجامعات وصولاً إلى التكسير وتسكير الطرقات، بدعم أميركي، ما أدى إلى طرح الثقة بديغول والاطاحة به باستفتاء شعبي.
الشعب الفرنسي أطاح بزعيمه القوي، ومذذاك بدأ عصر التقهقر والصِغَر لدى دولة الـ”إيفل”، التي باتت جزءاً تابعاً للمنظومة الغربية شعباً ورئاسة ومؤسسات، وشتان ما بين شارل وإيمانويل.

وها هم الموفدون الفرنسيون اليوم يجولون ويصولون، حاملين رسالة إسرائيلية – أميركية لا فرنسية أن أبعدوا “حزب الله” عن الحدود.

وكأن بالفرنسي يتخطى حدوده ليحمي حدوداً مسروقة أصلاً، وليطمئن المستوطنين لا المواطنين الأصليين الذين يرزحون تحت وابل من الإجرام الصاروخي.

يعترف الفرنسيون، بوضوح، أن “إسرائيل” تخطت القوانين الدولية، وتعدّت عليها، ومع ذلك “يستقتلون” للدفاع عنها!

ويعرفون ماذا تفعل “إسرائيل” تلك، بأطفال غزة، ونسائها، وشبابها، وشيوخها، ومستشفياتها، ومدارسها، وبيوتها، وحاراتها… ولذلك لا يريد إيمانويل ماكرون زيارة غزة، على غرار ما فعل في لبنان بعد انفجار المرفأ أو في دول أخرى خسرت عدداً من الضحايا، مستعرضاً بـ”دموعه” و”غمراته” و”إنسانيته الفائقة” أمام الشعوب المتألمة. وهو لا يزور غزة، لا لأنه يخاف من “حماس”، بل من قذيفة طائشة من حبيبته “إسرائيل”، لأنها تضرب كيفما كان باعتراف الدبلوماسيين الفرنسيين أنفسهم، ومع ذلك ينقلون رسائل لصالح الكيان بدلاً من التحرك من أجل الانسان المعتدى عليه.

إن فرنسا فقدت روحها “الجوّانية”، وهي لم تعد أكثر من ناقلة رسائل نيابة عن دولة كبرى وكيان مصطنع، ولم تعد أكثر من دور استعراضي من ضمن الحضن الغربي الأوسع.
يأسف المرء لرؤية فرنسا في هذا الصِغر، خصوصاً أنها في الأساس حضارة أنوار وروح!

ويأسف لكونها تحوّلت من صانع سياسات ومواقفـ إلى ساعي بريد، ولو حاول رئيسها مراراً أن يظهر بمظهر “المستقل”.