سادس شهيد أسير منذ “7 أكتوبر”: الحرب الموازية في الضفة تتوسّع

| أحمد العبد |

لا يمكن وصف المشهد في الضفة الغربية المحتلة، سوى بأنه حرب متعدّدة الأشكال والجبهات، رأس حربتها جيش الاحتلال، وإلى جانبه مستوطنوه الإرهابيون. وإذ لا يمكن على أيّ حال مقارنة أوضاع الضفة مع ما يعيشه قطاع غزة الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية للبشر والحجر وكل مقوّمات الحياة، لكن يَظهر أن عجز العدو عن تحقيق إنجازات عسكرية في القطاع، بدأ يُترجَم مزيداً من الانتقام في الضفة، حيث هناك أيضاً يُستهدف المدنيون على نطاق واسع. هكذا، تمتدّ الحرب القائمة في الضفة من شمالها إلى جنوبها، ولا تكاد تهدأ في منطقة أو مدينة، حتى تشتدّ في أخرى، فيما يتعمّد الاحتلال القتل بكل الطرق، قنصاً وإعداماً وقصفاً واغتيالاً، وتدمير وتفجير كلّ ما يقف في طريقه، فضلاً عن الاعتقال والاعتداء والتنكيل.

وبات واضحاً أن اقتحامات جيش العدو للقرى والمدن الفلسطينية، تبدأ مع ساعات الليل المتأخّرة، حيث لا تمرّ ليلة من دون عملية واسعة في إحدى المناطق، ولا سيما تلك التي باتت تشهد سخونة متزايدة، مِن مِثل مخيم جنين، ومخيم طولكرم، ونابلس، وطوباس، إلى جانب عشرات الاقتحامات والمداهمات لمدن وقرى وبلدات ومخيمات بهدف تنفيذ اعتقالات، تستمرّ بعض المواجهات من جرّائها حتى ساعات الصباح. واقتحمت أكثر من 80 آلية عسكرية ترافقها جرافات عسكرية من عدّة محاور مدينة جنين، ليل السبت – الأحد، وانتشرت في عدد من أحيائها، ونصبت حاجزاً عسكرياً، ونشرت قنّاصتها على أسطح عدد من المنازل والمباني، فيما احتجزت مركبات الإسعاف واعتدت على الطواقم الطبية في محيط مخيم جنين. وعلى إثر ذلك، اندلعت مواجهات عنيفة في عدد من أحياء المدينة واشتباكات مسلّحة، استهدف خلالها المقاومون قوات الاحتلال بصليات من الرصاص والعبوات الناسفة الشديدة الانفجار.

وفي خلال الاقتحام الذي استمرّ لأكثر من 13 ساعة، استشهد الشاب عصام الفايد من ذوي الاحتياجات الخاصة من مخيم جنين، وهو شقيق الشهيدَين «القساميَّيْن»، أمجد ومحمد الفايد، اللذين استُشهدا خلال اجتياح عام 2002. كذلك، اعتقلت قوات الاحتلال امرأة مسنّة من منطقة البيادر في مدينة جنين، للضغط على نجلها لتسليم نفسه، والشاب نمر جميل مرعي من المخيم نفسه بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، فضلاً عن اعتقالات أخرى. كما اقتحمت هذه القوات بلدة قباطية في جنين، حيث قالت «سرايا القدس – كتيبة قباطية»، في تصريح مقتضب، إنها استهدفت جنود الاحتلال وآلياته بالعبوات الناسفة.

وباتت جنين تشهد اقتحاماً واسعاً مرّة كل 48 ساعة تقريباً، في الأسابيع الأخيرة، وهو ما عكس تصاعُد وتيرة الاعتداءات في الضفة. وعلى غرار كل اقتحام، دمّرت جرافات الاحتلال، ليل أمس، البنية التحتية، عبر تجريفها الشوارع في حي الزهراء في المدينة ومناطق أخرى، وإلحاقها أضراراً بعدد من مركبات المواطنين، وبالبنية التحتية للخدمات الأساسية. أيضاً، دمّرت الجرافات نصباً تذكارياً للشهيد الطبيب، عبدالله أبو التين، أمام مستشفى جنين الحكومي، والنصب التذكاري للشهيد محمد عويس في حي خلة الصّوحة في مدينة جنين، إلى جانب تدميرها كل الأكشاك الموجودة أمام مستشفى جنين والمُقدَّرة بالعشرات.

بالتوازي مع ذلك، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم الدهيشة في جنوب بيت لحم، حيث أَطلقت الرصاص الحي على الشاب عمر علي اللحام الذي أصيب بطلقة في الرأس، استشهد على إثرها، بعدما مَنعت طواقم الإسعاف من الوصول إليه، مطلقةً أعيرة نارية لمنع الاقتراب منه، وسط مواجهات عنيفة اندلعت في المخيم. كما أصيب مواطنان بالرصاص الحيّ في مواجهات في بلدة طمون قرب طوباس، أحدهما إصابته خطيرة في الظهر، وشابان آخران في مخيم قلنديا. أيضاً، اندلعت اشتباكات بين المقاومين وقوات الاحتلال في منطقة المرج في مدينة قلقيلية، أصيب خلالها عدة مواطنين، فيما اعتُقلت سيدة للضغط على زوجها لتسليم نفسه.

أمّا مخيم بلاطة في محافظة نابلس، فشهد عملية عسكرية واسعة، بالتزامن مع مداهمة أحياء متفرّقة في المدينة، حيث اندلعت اشتباكات مسلّحة عنيفة وسُمعت أصوات انفجارات متتالية في المخيم والمنطقة الشرقية في المدينة، بالإضافة إلى نصب قوات الاحتلال لحواجز عسكرية. وأصيب ستة مواطنين بالرصاص الحي، وآخرون بالضرب المبرح وبحالات الاختناق، بينهم طفلان جرّاء استنشاق الغاز السام المُسيّل للدموع، علماً أن أحد هذين الاثنين من ذوي الإعاقة. كذلك، أَطلقت قوات الاحتلال الرصاص الحي على طاقم إسعاف «الهلال الأحمر الفلسطيني» داخل المخيم، أثناء محاولته الوصول إلى حالة مرضية لمسنّة هناك. كما قام جيش العدو بتفجير مقرّ حركة «فتح» في المخيم، وهدم عدد من المنازل بشكل جزئي، ومداهمة عشرات المنازل وتفتيشها والعبث بمحتوياتها، والاعتداء على بعض سكانها بالبنادق، فضلاً عن احتجاز عشرات المواطنين، والتحقيق مع بعضهم ميدانياً.

وجاء العدوان على مخيم بلاطة بعد ساعات فقط من آخر واسع شنّه الاحتلال على المخيم نفسه، وبدأ بقصف طائرة حربية لمجموعة مقاومين كانوا متواجدين قرب مقرّ «حركة فتح» في وسط المنطقة، ليستشهد 5 منهم ويصاب آخرون، في قصف هو الأول من نوعه في نابلس منذ أكثر من 10 أعوام. وفي منطقة السوق في بلاطة أيضاً، فجّرت قوات الاحتلال منزلاً، ودمّرت عدّة طرق داخلية، وجرفت وألحقت أضراراً مادية جسيمة بممتلكات المواطنين.

في هذا الوقت، تتواصل جرائم الاحتلال بحقّ الأسرى في سجونه، وآخرها اغتيال الأسير ثائر سميح أبو عصب من قلقيلية في سجن النقب، وهو «الأسير الشهيد السادس منذ السابع من تشرين الأول»، بحسب بيان مشترك لـ«هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين» و«نادي الأسير الفلسطيني»، أكّدا فيه أن «الاحتلال أقدم على اغتيال الأسير ثائر سميح أبو عصب (38 عاماً) من محافظة قلقيلية في سجن النقب الصحراوي، وهو معتقل منذ 27 أيار 2005 ومحكوم بالسجن لمدة 25 عاماً».

وفي السياق نفسه، طاولت حملة الاعتقالات التي شنّها جيش الاحتلال في الضفة، منذ مساء السبت وحتّى صباح الأحد، 70 مواطناً على الأقل، بينهم ثلاث سيدات وصحافيان، وتركّزت في مخيم بلاطة في نابلس، وفي مخيم جنين، فيما توزّعت بقيتها على محافظات: طوباس، رام الله، الخليل، طولكرم، القدس وقلقيلية. ورافق تلك الاعتقالات تنكيل واسع من قِبَل قوات الاحتلال، واعتداءات بالضرب المبرح، وعمليات تحقيق ميداني، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، وصلت إلى حدّ التهديد بإطلاق النار، واعتقال مواطنين كرهائن للضغط على أفراد من العائلة لتسليم أنفسهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين.