/ أيهم مرعي /
نفّذت الولايات المتحدة الأميركية تهديداتها بالردّ على الهجمات التي تعرّضت لها قواعدها في سوريا والعراق، عبر قصف “منشأتَين في شرق سوريا”، على حدّ قولها. ووضع وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ذلك الردّ، الذي وصفه بـ«الضربات الدقيقة”، في سياق “الدفاع عن النفس، والردّ على سلسلة الهجمات المستمرّة”، ضدّ أفراد أميركيين في العراق وسوريا، والتي عدّ معظمها «غير ناجحة”.
وأشار أوستن، في بيان، إلى أن «الرئيس جو بايدن أمر بشنّ الضربات للتأكيد أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع مثل تلك الهجمات ضدّها، وستدافع عن نفسها ومصالحها». وإذ لفت إلى أن «الغارات أصابت مستودعاً للأسلحة ومخزناً للذخائر قرب البوكمال”، قال إنه تابع لـ”الحرس الثوري الإيراني” والقوات الموالية له، فقد ادّعى أن «هذه الغارات منفصلة عن الصراع في غزة، ولا تشكّل تغييراً في نهج واشنطن تجاه هذا الصراع”، في ما بدا محاولة لتنفيس أيّ ضغط على بلاده لوقف دعمها للكيان الصهيوني في هجومه الوحشي على قطاع غزة.
من جهتها، تؤكّد مصادر ميدانية في دير الزور، في حديث إلى “الأخبار”، أن “الاحتلال الأميركي نفّذ غارتَين في منطقة المزارع بين بلدة القورية ومدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي، مستهدفاً مواقع لقوات رديفة وحليفة للجيش السوري»، مبيّنةً أن «هذه هي المرّة الثانية هذا العام التي تتعرّض فيها تلك المنطقة للقصف، بعد استهدافها من طيران الاحتلال مطلع العام الحالي». ونفت المصادر «وجود أيّ مستودعات للأسلحة والذخائر في المواقع المستهدفة، التي هي نقاط تمركز للجنود لحماية المنطقة من هجمات خلايا داعش المدعومة أميركياً». وعلى المستوى الميداني، لم يتأخّر ردّ فصائل المقاومة، التي استهدفت مرّتَين متتاليتَين «قاعدة العمر»، أكبر القواعد الأميركية في سوريا، بستّة صواريخ، سقط معظمها داخل القاعدة، بعد أقلّ من ساعتين على تنفيذ العدوان على بادية الميادين. وقصفت المقاومة، منذ أكثر من أسبوع وحتى الآن، عشر مرّات، القواعد الأميركية غير الشرعية في سوريا، وهو ما كان كفيلاً باستنفار وزارة الدفاع الأميركية لتعزيز موقفها الدفاعي، ومنع وقوع عمليات استهداف إضافية، بخاصة مع وجود حديث إعلامي أميركي عن أن 24 جندياً على الأقلّ أصيبوا في الهجمات الأخيرة.
ولعلّ ما ضاعف قلق الأميركيين هذه المرّة، هو زخم الهجمات غير المتوقّع وغير المسبوق منذ بدء حَراك المقاومة في استهداف هذه القواعد في حزيران 2021، والنجاح في الوصول إلى أهداف دقيقة كما حدث في عمليات استهداف «التنف» و«العمر» و«خراب الجير»، والتي أدّت إلى أضرار بشرية ومادية. كما أن قِصر المدّة التي استُهدفت فيها ستّ قواعد (في غضون أسبوع) زاد من حالة الإرباك الأميركية، بخاصة في ظلّ بُعد هذه القواعد بعضها عن بعض، لمسافات تصل إلى أكثر من 250 كيلومتراً بين «العمر» و«خراب الجير» مثلاً، ونحو 800 كم بين «خراب الجير» و«التنف» و«الركبان». ومن هنا، تَبيّن للأميركيين أن لدى المقاومة قدرة عالية على استهداف وجودهم على طول الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، من اليعربية في أقصى الريف الشرقي للحسكة، إلى التنف على مثلث الحدود مع العراق والأردن، بالإضافة إلى عمق الأراضي السورية في “العمر” و”كونيكو” و”الشدادي”.
كذلك، إن حقيقة أن الأدوات التي تستخدمها المقاومة في عملياتها، هي محلّية الصنع في الغالب، سواءً كانت الطائرات المسيّرة أو الصواريخ القصيرة المدى، ولّدت إحراجاً في صفوف القيادات العسكرية الأميركية، بعد فشل كلّ أنظمة الدفاع الجوي التي نُصبت منذ آذار الماضي وحتى الآن في القواعد الأميركية كافة في سوريا، في صدّ الهجمات ومنع تشكيل خطر على حياة الجنود. وكان قد عمد الأميركيون، بعد حادثة استهداف مطار خراب الجير في آذار الماضي، والتي أسفرت عن مقتل جندي وإصابة ستة آخرين، باعترافهم، إلى تعزيز قواعدهم بأنظمة دفاع جوية، عبر نشر منظومة صواريخ «هيمارس»، ونصب كاميرات مراقبة حرارية ومناطيد متخصّصة بالمراقبة، لتشكيل غلاف دفاعي كفيل بحماية القواعد من أيّ خطر، وفقاً لزعمهم. لكن خلافاً لهذه المزاعم، تمكّنت المقاومة من اختراق تلك التحصينات، والوصول مباشرة إلى القواعد، وتشكيل خطر على حياة الضباط والجنود الأميركيين، وهذا ما دفع واشنطن إلى الإعلان عن إرسال مزيد من المنظومات الدفاعية إلى سوريا، في محاولة للحدّ من الخطر الذي تشكّله المقاومة على القواعد هناك.
إزاء ذلك، تؤكّد مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أنه «رُصدت تحرّكات غير اعتيادية لقوات الاحتلال الأميركي في غالبية القواعد في سوريا، بخاصة القواعد التي تعرّضت لهجوم مباشر في شرق البلاد»، مشيرةً إلى أن القوات الأميركية «بدأت تسيير قوافل أسلحة ومعدّات براً وجواً إلى القواعد الأميركية في سوريا، بهدف تعزيز الموقف الدفاعي لهذه القواعد، بعد التصعيد الواضح لفصائل المقاومة ضدّها». وتكشف المصادر أن «نحو 50 شاحنة دخلت في الثلاثة أيام الأخيرة إلى الأراضي السورية عبر معبر الوليد غير الشرعي، وهي تحمل معدّات وأسلحة وذخائر متنوّعة وُزّعت على قواعد الاحتلال في الحسكة ودير الزور»، مضيفةً أن «مطار خراب الجير شهد هبوط طائرات شحن أميركية لأربع مرّات في يومَين، وهي تحمل معدّات وأنظمة دفاع جوي وجنود، نُقلت بالمروحيات إلى عدّة قواعد ولا سيما العمر وكونيكو والشدادي». وتوضح المصادر أن «من بين المعدّات المستقدَمة صواريخ أفينجر المتخصّصة بالتصدّي لأهداف جوية منخفضة الارتفاع كالطائرات المسيّرة والمروحيات، بالإضافة إلى منظومة ثاد»، متابعةً أن «هذه المعدّات استُقدمت خصيصاً في محاولة لإسقاط الطائرات المسيّرة والصواريخ قصيرة المدى، وهي التقنية التي تستخدمها المقاومة في استهداف القواعد الأميركية»، مرجّحةً أن يكون «قد عُزّز حضور الجنود الأميركيين في سوريا بنحو 100 عنصر”.
على أن هذه الحركة النشطة، وتنفيذ اعتداء على القوات الرديفة للجيش السوري، لم يستطيعا إيقاف عمليات المقاومة، التي استهدفت قاعدة “العمر”، وقبلها مطار “خراب الجير” وقاعدة “الشدادي” في ريفَي الحسكة الشمالي والجنوبي، وقاعدة «كونيكو» في ريف دير الزور الشمالي، برشقات صاروخية متعدّدة. وتبنّت “المقاومة الإسلامية في العراق» هذه الهجمات، مؤكدةً، في بيان رسمي، أنها «تمكّنت من إصابة الأهداف بشكل مباشر”. ومن هنا، يبدو أن المقاومة بدأت الاعتماد على الصواريخ القصيرة والمتوسّطة المدى لاستهداف القواعد، مع توقّعات باستئناف استخدام الطائرات المسيّرة، لاختبار القدرات الدفاعية الجديدة للأميركيين، بعد التعزيزات الأخيرة التي استُقدمت إلى المنطقة. وفي هذا الإطار، ترجّح مصادر مطّلعة «استمرار عمليات الاستهداف للقواعد الأميركية في سوريا، رغم كلّ التعزيزات»، مؤكدةً أن «لدى المقاومة البدائل المناسبة لإيصال الرسائل بالنار إلى الأميركيين، ومفادها أن وجودهم في سوريا والعراق غير مرغوب فيه وعليهم الرحيل من المنطقة». وتجزم المصادر أن «رسالة التصعيد مستمرّة لتأكيد وحدة جبهات المقاومة، بغضّ النظر عن حجم ردّة فعل الاحتلال الأميركي على ذلك»، مقدّرةً أن «استمرار الحرب الهمجية على أهالي قطاع غزة، قد يدفع المقاومة إلى فتح جبهات أخرى واستهداف المصالح الأميركية بصورة أكبر في كامل المنطقة، للضغط لإيقاف حمام الدم المستمرّ في القطاع».