/ نقولا ناصيف /
لدى وضع البيان الختامي للمحادثات اللبنانية – السورية، طلبت دمشق تسمية النازحين السوريين في البيان “مهجرين”، بينما قال المحاور اللبناني انهم “نازحون”. انتهى المطاف بايراد الصفتين في البيان بعدما عقب فيصل المقداد امام نظيره عبدالله بوحبيب: “النازحون بالنسبة الينا مَن نزحوا داخل البلد. اذا اردتم هذه العبارة لن نزعل لأنها تعني انهم لا يزالون في البلد الواحد. نحن وانتم بلد واحد”.
لزيارة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لدمشق الاثنين الفائت جانب مواز للقاء الذي عقده مع نظيره فيصل المقداد، هو اجتماعه بمسؤوليْن دولييْن معنييْن مباشرة بملف النزوح السوري. روزنامة الاجتماعيْن واحدة وإن في سياقيْن متوازيين: الاول مع المقداد تناول سبل العمل على وقف النزوح الى لبنان لا سيما منه موجته العشوائية الاخيرة والتنسيق المتبادل في معالجة المشكلات الناجمة عنه. الثاني اعادة تأكيد الموقف اللبناني الرسمي برفض الآلية التي تعتمدها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومن خلالها الامم المتحدة كما الدول الغربية الاوسع تأثيراً لدى المفوضية، في التعامل مع النازحين السوريين في لبنان والتمسك بابقائهم على ارضه.
احيط الشق الاول بالزيارة باهتمام رغم ان كلا البلدين يعرف احدهما موقف الآخر من النازحين السوريين والمعضلات المحوطة بعجز كليهما عن ايجاد حل لهم: لا اللبنانيون قادرون على تقبّل وجودهم على ارضهم واحتمال اعدادهم المتفاقمة والضغوط الامنية والاجتماعية والاقتصادية والسكانية الناشئة عنهم، ولا السوريون قادرون في ظل ظروف مماثلة ان لم تكن اكثر تعقيداً على اعادتهم الى اراضيهم المدمرة. بيد ان الجانب الذي لم يُتح التوصل اليه لمعالجة المشكلة، افصح الشق الآخر في زيارة بوحبيب عن مصدر العلة.
التقى وزير الخارجية والوفد الامني والديبلوماسي المرافق له مسؤوليْن دولييْن هما رئيس بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في سوريا سيفانكا دانابالا والمنسق المقيم (ممثل الامين العام للامم المتحدة) منسق الشؤون الانسانية في سوريا آدم عبدالمولى.
تناولت المحادثات اسئلة تناوب على طرحها والاجابة عنها الطرفان اللبناني والدولي. حرص بوحبيب على الحصول على اجوبة عن تساؤلات تقف في طريق عدم تسهيل الامم المتحدة ومن خلالها المجتمع الدولي عودة النازحين السوريين الى بلادهم. في المقابل لم تأتِ الاجوبة سوى بما كان متوقعاً، وهو اصرار المفوضية وعبرها المجتمع الدولي على ادارة النزوح السوري في لبنان كما التعامل مع سوريا بالطريقة نفسها، باقفال محكم لابواب رجوعهم الى مساقطهم.
عندما سئل المسؤولان الدوليان هل لمسا من خلال عمل بعثة المفوضية في سوريا واستقصاءاتها «اضطهاداً» مارسته السلطات السورية ضد النازحين العائدين، كان الجواب نصف اعرج: ممن التقوا بهم من السوريين العائدين لم يقل احد ان السلطات ضايقته او اضطهدته او عاقبته بأي اجراء. سرعان ما سارع المتحدثان الدوليان الى القول: «لمسنا تقدماً ملموساً في تعاون الحكومة السورية مع المفوضية وسائر منظمات الامم المتحدة ووكالاتها. هو تقدم جيد وجديد. صارت تسمح لنا بحق زيارة النازحين العائدين والتحدث اليهم. ذلك ما لم يكن قبلاً. زرنا عدداً منهم وتحققنا. لكن الذين زرناهم ليسوا سوى عيّنة عشوائية. لم نزر الجميع او بيتاً بيتاً. من تحدثوا الينا قالوا انهم لم يُضطهدوا او يشتكوا. لكن هؤلاء ليسوا السوريين جميعاً”.
لم يُخفِ المحدّثان الدوليان ان المفوضية السامية على ابواب ازمة مالية خانقة. كشفا ان الدول الاكثر تأثيراً فيها خفضت مساهماتها لديها. توقف الاميركيون عن تسديد 50 في المئة منها، والالمان عن 30 في المئة. مما قالاه: “بحسب توقعاتنا لعام 2024 ستتدنى المساهمات المالية الى الثلث، وننتظر في الاشهر المقبلة ان لا نحصل على اكثر من مليار ونصف مليار دولار من موازنة هي خمسة مليارات و400 مليون دولار”. وأضافا: “في الاصل الموازنة الأم بالكاد تكفي. الآن مع توقعنا خسارة ثلثيها سيتعذر علينا الاستمرار في الانفاق والمساعدة. نحن ذاهبون الى مرحلة بالكاد ستكفي الحاجات الحيوية الاساسية”.
في سياق حوار الطرفيْن حيال المشروع المسمى «التعافي المبكر» المرتكز على توفير الخدمات الحياتية في حدها الادنى في سوريا، قال المحدّثان الدوليان ان المقصود منها ان «لا تستفيد الدولة السورية بأي قرش. في المقابل لن يذهب الى جيوب السوريين في الداخل اي قرش كذلك. يتعيّن على المفوضية ان تتولى بدورها – وهو ما تفعله – مسح الضِيع والبلدات المتضررة واعداد مشاريع بناها المدمرة وتمويلها وتنفيذها بنفسها للتحقق من اتمامها دونما وصول اموال الى الاهالي، وحتماً الحؤول دون استفادة الدولة السورية من اموال المشاريع تلك، في وقت هي تحت وطأة عقوبات اميركية، على ان المجتمع السوري يستفيد منها». وعَزَوَا ضائقة الدولة السورية ومجتمعها من جراء العقوبات الاميركية الصارمة الى «شح كبير في الاموال وفي العملة الصعبة خصوصاً، تحتاج اليها والى دخولها الى البلاد».
ما استنتجه المحاور اللبناني ان القرار الغربي بحصار نظام الرئيس بشار الاسد وراء منعه من الحصول على مساعدات والسماح بتدفق اموال عليه. قرار كهذا ليست معنية به المفوضية السامية. اما الرابط الوحيد بالدولة السورية في تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، فهو طلب الإذن الرسمي من اداراتها للقيام بالأشغال.
في ما اتى المسؤولان الدوليان على ذكره، تبعاً لخبرتهما وتجربتهما، ان «مساعدة السوريين في بلدهم افضل وانجع منها في دول النزوح. ذلك ما ابرزته تجربة السنوات العشر المنصرمة. ليس في يد المفوضية قصر مهمتها على هؤلاء والاكتفاء بمساعدتهم في بلدهم، بل هو ناجم عن قرار سياسي غربي اكثر فاعلية يرفض اعادة اي سوري الى بلده ما لم يُرد هو ذلك طوعياً. لن يسمح المجتمع الدولي باعادتهم بالقوة. للعائدين طوعياً ان يستفيدوا من المساعدات والدعم».
على انهما يعودان الى الحديث باسهاب عن تعاون الدولة السورية مع المفوضية السامية ووكالات الامم المتحدة في مسائل كانت محظرة في السنوات المنصرمة. اضحى في وسع بعثة المفوضية التحرك بسهولة بين المناطق السورية، والتحقق من شكاوى النازحين العائدين الى قراهم. في تفسيرهما الضمني يُعزى التحوّل في الموقف الى تداعيات العقوبات الاميركية. إذ لمسا ان هذه «أذت الشعب السوري اكثر منها الدولة». في اعتقادهما ان لها دوراً قد يكون مهماً في دوافع موجات النزوح اللاحق غير الناجم عن مناطق التوتر والوضع الامني او بؤر القتال، بل بحثاً عن فرص عمل.
لم يملك المحاور اللبناني سوى ان يضيف ان اغداق العملة الصعبة على السوريين النازحين الى لبنان «سبب جوهري ومحفز كي يغادر هؤلاء بلدهم اليه من معابر غير شرعية كي يعثروا على فرصتين غير متوافرتين في سوريا: عملة صعبة من الامم المتحدة لمجرد انهم نزحوا شجعت سواهم على الاقتداء بهم، والعمل غير المأذون به في الداخل اللبناني».
كان على بوحبيب ان يسأل ايضاً عن مدى اقتناع الامم المتحدة باستمرار الآلية الحالية في تعاطي المفوضية مع النازحين والمتواصلة منذ اثنتي عشرة سنة. اكد رفض لبنان لها كما ديمومتها على النحو الحالي، داعياً الى «اجراء مراجعة شاملة لها»، فيما محاوراه لا يريان بديلاً منها الى اشعار آخر.
آخر ما اثير بين الطرفين على صلة بمطلب الغرب والامم المتحدة من سوريا الغاء التجنيد العسكري الالزامي. تطرق الوزير اللبناني مع نظيره السوري في سياق مناقشة ملف النزوح الى هذا الجانب، قال فيه المقداد ان الحكومة السورية في صدد وضع مرسوم يُحدّث الاعفاء الاستثنائي من الخدمة العسكرية الالزامية في مقابل رسم مالي. سرى هذا الاجراء في ما مضى لاولئك العاملين خارج بلدهم على نحو يتيح اعفاءهم من الخدمة العسكرية الالزامية لقاء بدل ما. سيصير الى تأكيد الاخذ ببعض اسباب الاعفاء، على ان قراراً كهذا «سيادي» لا يملك اي احد – وفق المقداد – ان يطالب الدولة السورية به. صار الى التطرق اليه ايضاً مع المحدّثيْن الدولييْن اللذين اعادا الكلام عنه، فيما اجاب المحاور اللبناني ان ما تُطَالَب به سوريا لا تدعى اليه اسرائيل وهي مثل تلك تفرض الخدمة العسكرية الالزامية.