الال

أين نصر الله؟

| خلود شحادة |

لماذا لا يخرج الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله إلى الشاشة، ويتحدّث إلى جمهوره، وإلى اللبنانيين، وإلى الفلسطينيين، ويردّ على الدعوات التي صدرت من حناجر المتظاهرين في لبنان ومصر والجزائر والعديد من دول العالم العربي والعالم، لأن يدخل الحرب دفاعاً عن غزّة ونصرة لفلسطين؟

أسئلة كثيرة، وتكهّنات عديدة، حول غياب السيد نصر الله. هل هو في لبنان؟ هل هو مريض؟ أم أنه لا يملك في الوقت الراهن أجوبة للأسئلة الملحّة من جمهور المقاومة؟ أو أن قرار الحزب ما زال غير محسوم في الوقت الراهن؟ هل يهيئ البيئة تدريجياً للحرب؟ أم أنه يتحصّن بالصمت لأنه يتفادى قرار الحرب؟ أو أنه لم يحن وقت اتخاذ القرار الحاسم؟

عشرات الأسئلة التي تتدحرج بين الناس، منها بخلفية القلق، ومنها ما هو مرتبط بالحماس، ومنها ما يتعلّق بالخوف.. ومنها ما يستبطن الخبث والتحريض!

كل هذه الأجواء، تصل إلى السيد نصر الله.. بالتفصيل.. وبالخلفيات.. وبالمنطلقات.. وبحقيقة موقف جمهور المقاومة أولاً.. وجمهور البيئة الحاضنة ثانياً.. والواقع اللبناني ثالثاً.. والتي توضع كلها في ميزان المعادلات العسكرية والسياسية في لبنان والمنطقة.. والعالم.

بالتأكيد، ما بعد “طوفان الأقصى” ليس كما قبله” في المنطقة والعالم.

منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، بات العالم في حالة ترقّب لتبعات هذه العملية.

خاضت المقاومة الفلسطينية أشرس حرب تحريرية بوجه عدو لم يلقَ الراحة يوماً، من شعب ما زال يقاوم ويبذل الدماء في سبيل تحرير الأرض، في ظل تخاذل عربي وتآمر دولي على حقوقه.

“صاحب الحق سلطان”، وسلاطين الحرية في فلسطين اليوم، لم تتركهم المقاومة في لبنان وحدهم.

اللبنانيون عامة، وأهل الجنوب والبقاع الغربي خصوصاً، يدركون جيداً لوعة التهجير والاحتلال، ويتقاسمون مع إخوتهم الفلسطينيين الرصاصة والبندقية.. والشغف للحرية!

وعلى الرغم من وابل الصواريخ الذي تتلقّاه قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان وقطاع غزة، وعلى الرغم من خسائر العدو الفادحة بالعداد والعديد والرهائن، إلا أن الشغل الشاغل لإعلامهم وسياسييهم هو الصمت التام الذي يعتمده الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله.

لطالما اعتادت وسائل اعلام العدو، على رصد خطابات نصر الله في السلم والحرب، لتحليلها واستنباط مضامينها وأبعادها، واستشراف خطوات الحزب المستقبلية.

“أين السيد حسن نصر الله”؟

يخطئ من يعتقد أن السيد نصر الله يجلس أمام شاشات التلفزة ليستمع إلى الوقائع العسكرية في غزة والضفة والقدس وشمال فلسطين المحتلة.. وجنوب لبنان!

بالتأكيد أن السيد نصر الله يرصد كل شاردة وواردة في المواجهات العسكرية، وكذلك السياسية. تصله التقارير شفهياً وكتابة.

تكاد الصورة التي يمكن تخيّلها أن السيد نصر الله يرتدي بذلة عسكرية، ويجلس في غرفة العمليات، وينتقل من قاعة إلى أخرى، يتابع كل تفصيل ميداني، وكل قذيفة يطلقها المقاومون في غزة، وكل رصاصة يطلقها المقاومون من لبنان.

في هذه المرحلة، ربما تكون معادلة “وحدة الساحات” قد تحققت في غرفة العمليات التي يجلس فيها نصر الله وأمامه شاشات توحّد الساحات، ومجموعات العمل المتخصصة بكل ساحة…

بالتأكيد، استمع السيد نصر الله إلى كل النظريات والاجتهادات حول خروجه إلى الإعلام. منها ما يؤيد ظهوره، لشدّ العصب، وإعطاء جرعة كبيرة من المعنويات لن يستطيع غيره الوصول إلى درجتها. ومنها ما يعتقد أن ظهوره في الوقت الراهن خطأ سيتم استغلاله إلى أقصى الحدود، لأن القرار الحاسم والشامل لم يدخل حيّز التنفيذ. ومنها ما يضع سلبيات وإيجابيات الظهور في الميزان، ويترك لـ”السيّد” التقدير.

لكن صمت نصر الله، هو أيضاً أحد أسلحته التي يستخدمها في الحرب.

الصمت الذي يتحصّن فيه “السيّد” هو من أنواع الحرب النفسية التي تُمارس ضد عدو اعتاد الترهيب، ليبقيه في حالة ترقّب واستنفار، وتخوّف مما يضمره “السيّد” في صمته.

لكن، سيأتي اليوم الذي يظهر فيه نصر الله، وهو مرتبط بحدث من اثنين:

– إعلان نفير الحرب ضد “إسرائيل”، وضد داعميها في “محور الشرّ”، وهذا ما يتخوّف منه العدو لأنه ليس جاهزاً لا من قريب ولا من بعيد لدخول معركة مع لبنان، خصوصاً أن “حزب الله” اليوم أقوى بكثير مما كان عليه في 2006. وإذا كان العدو حينها قد خرج بخسارة مدوية، فكيف يتصوّر مصيره اليوم وقد باتت الذخيرة “العادية” التي تمتلكها المقاومة في لبنان اليوم هي صواريخ الـ”كورنيت”، وباتت الـ”ميركاڤا” هدف “تسلية” للشباب المرابطين على الحدود.

– إعلان النصر، وهذا ما يعني إعلان خسارة “إسرائيل” في الداخل الفلسطيني وعلى الحدود اللبنانية، وهو المصير الذي تعيش مخاوفه “اسرائيل” اليوم، وهذا ما يدفعها لارتكاب المجازر بسبب حفلة الجنون التي تعيشها قواتها، بعد الصفعات التي تتلقاها من المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

صمت نصر الله لا يقل أهمية عن عمليات المقاومة، لأنه يضعف القوة المزعومة لكيان الاحتلال القائم على القتل وارتكاب المجازر الدموية بحق الأطفال والنساء والإعلاميين وكل الأبرياء.

لكن “الإسرائيلي” اليوم، ما زال يعيش حالة إنكار، أنه في حرب حقيقية مع المقاومة في لبنان، لكنها ضمن قواعد اشتباكٍ جديدة أرستها موازين القوى في المنطقة، واختصارها بأنه “لا حرب شاملة على لبنان”، والعدو أضعف من أن يجتاح لبنان، لأنه يعلم بأن حرباً كهذه ستكون تداعياتها كارثية على مصير الكيان المؤقت.