| علاء حسن |
فجأة ومن دون مقدمات، شهد العالم انهيار الجيش الصهيوني في المنطقة الجنوبية، إثر عملية بدأت محدودة لدعم الأقصى الذي يتعرض منذ أيام إلى انتهاكات مستمرة، ليتمكن المجاهدون الفلسطينيون من كسر أحد خيوط العنكبوت والانتقال إلى الأراضي المحتلة في مشهد سوريالي يذكرنا بأيام التحرير في جنوب لبنان عام 2000.
عشرة كيلومترات من العمق والمئات من القتلى والجرحى والأسرى، بينهم قيادات عسكرية عالية المستوى في الجيش الصهيوني والكثير من الغنائم، فضلاً عن الملفات الاستخبارية والتقنيات الحديثة وقعت جميعها في أيدي المقاومين خلال ساعات فقط من اشتباكات غير منظمة وقعت صباح هذا اليوم.
لا شيء قادر على وصف ما حصل، فالعالم كله يقف مذهولاً أمام ما جرى وما يجري، ولا أحد غير المقاومين يستطيع أن يحدد الاتجاه الذي تسير إليه الأمور في الساعات أو الأيام المقبلة.
وفي هذا السياق تشير المصادر أن “حركة الوساطات بدأت بالفعل لاحتواء ما جرى وإعادة الأمور إلى ما قبل عملية اليوم، قبل أن يفقد الكيان الصهيوني عقله ويبدأ جنونه ليطلق عملية واسعة ضد قطاع غزة، في محاولة تهويل تشنها الدول على فصائل المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام التابعة لحركة حماس”.
لكن بحسب المعلومات المتوفرة أن المقاومة الفلسطينية تعمل وفق سيناريو مبني على تقدير موقف سابق ومحدث بالساعة، وعليه فإنها بدأت بتثبيت نقاطها العسكرية في عمق عشرة كيلومترات داخل المنطقة المحتلة “المحررة اليوم”، والتوسع نحو عسقلان التي ستكون فاصلة في المعركة الحالية نظراً لكونها الأقرب إلى القدس وتبعد حوالي العشرين كيلومتراً عنها فقط.
وفي المقابل بدأ العدو الذي يعيش حالة التخبط بحشد قواته وانشاء طوق حول المناطق المحررة، لمنع أي توسع بالتزامن مع التهديدات المرسلة من قبله عبر الوسطاء الدوليين والاقليميين.
إلا أن المقاومة تدرك أن العدو يواجه مشكلة كبيرة في البدء بحرب شاملة واعتماد سياسة الأرض المحروقة نظراً للأسباب التالية:
أولاً، إن جل المقاومين أصبحوا منتشرين في الأراضي المحررة، وبالتالي لم يعد يستطيع العدو اعتماد القصف كوسيلة لاستهدافهم كما في السابق عندما كانوا ضمن مساحات محددة من قطاع غزة الذي لا يتجاوز مساحته بالمناسبة الثلاثمائة والستين كيلومتر مربع.
ثانياً، المناطق المحررة لم تخلُ من المستوطنين بالكامل، الأمر الذي يمنع العدو من القيام بطلعات جوية وقصف جوي ومدفعي منعاً لاستهداف المستوطنين العالقين في المستوطنات المحررة من قبل المقاومة.
ثالثاً، يدرك العدو جيداً أن أي حفلة جنون في هذه المرحلة وبعدما حصل اليوم تحديداً، يمكن أن يفتح أمامه أبواب الجحيم. فهو الآن يواجه جبهة واحدة فقط لكن أي تجاوز للخطوط في هذه المرحلة سيعرضه إلى فتح باقي الجبهات تباعاً وبدعم شعبي عربي ومسلم، الأمر الذي لن يستطيع تحمله، خصوصاً بعد حالة الانهيار التي شهدها صباح اليوم.
في المقابل ومن دون شك، يعيش العدو في هذه اللحظات نفس الشعور والحالة التي عاشها الكيان في الساعات الأولى من حرب تشرين عام 1973، من ضياع وتخبط وإرباك استراتيجي وهو نفس الاحساس بالتهديد الوجودي الذي عاشه قبل نصف قرن من الآن، مع فارق أن الردع الاستراتيجي الصهيوني كان قوياً حينها بعد حرب 1967، ولكنه اليوم في أضعف حالاته بعدما مُني بالهزائم المتتالية منذ العام 2000 ولغاية يومنا هذا.
بالإضافة إلى ذلك، لم تعد الولايات المتحدة تستطيع فتح الجسر الجوي لها كما فعلت في السابق، وإن فعلت فإنه لم يعد نافعاً مع وجود هذا الكم من المقاومين داخل وخارج فلسطين ينتظرون اللحظة التي يستطيعون فيها كسر الحواجز ولو بصدورهم العارية فكيف إذا كانوا مدربين ومجهزين ومدججين.
في الخلاصة، إننا نعيش اليوم أمام خيارين كلاهما قريب جداً، إما أن تكون المعركة الحالية التي قد تمتد لأيام، بداية لمرحلة ضب الحقائب والخروج من فلسطين، وإما تكون فتيلاً لإشعال الكيان من الجبهات كافة واعتبار الدخول اليوم هو طليعة النورماندي في هذه الحرب، خصوصاً أنه ولغاية اللحظة لا يوجد نية لدى المقاومة الفلسطينية بهدر هذا التحرير الذي عمد بالدم قبل أي شيء آخر.