| خلود شحادة |
يبدو أن شهر آب لن يكون ساخناً فقط على الصعيد المناخي، بل ربما تصيب سخونته الواقع السياسي في لبنان، المهيّأ أصلاً للإشتعال في أي لحظة.
في “فلاش باك” قصير على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان إلى بيروت، كشف عن عطلة ستبعده قسرياً عن حلحلة الملف اللبناني، مشيراً إلى أنه سيعود إلى وضع قطار العمل على السكة في أيلول المقبل.
تأجيل، أغضب بكركي، التي اعتبرته اهمالاً متعمداً للملف الرئاسي في لبنان، من دون الالتفات إلى تبعاته الكارثية على الواقع اللبناني السيء من جهة، والواقع المسيحي في الشرق الأوسط، من جهة أخرى.
بحسب مصادر موقع “الجريدة”، فإنه في زيارات لودريان ما قبل الأخيرة إلى لبنان، دعا الأطراف التي ترفض انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إلى تحديد هواجسهم من وصوله إلى بعبدا، واعداً إياهم بتقديم الضمانات التي يطلبونها لتأمين انتخاب فرنجية رئيساً.
إلّا أن أمراً ما طرأ على الموقف الفرنسي، أدى إلى تغيير موقف لودريان خلال زيارته الأخيرة، فتوجه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، طالباً منه ذكر الضمانات التي يريدها هو و”حزب الله”، لانتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وفوجئ لودريان أن بري أكد له أن “الثنائي” لا يضع فيتو على أحد، ولكنه يؤمن أن الحوار هو الحل الوحيد لتقريب وجهات النظر والاتفاق على رئيس لكل اللبنانيين.
تأجيل فرنسي لم يكن مفهوماً، تماماً كما لم يكن مفهوماً تجديد التحذير السعودي من السفر إلى لبنان، ودعوة كل الرعايا السعوديين الموجودين على الأراضي اللبنانية إلى مغادرتها فوراً.
إعلان منتصف الليل، خلق حالة من البلبة، وفيضاً من التساؤلات حول الأسباب والتوقيت.
بحسب بيان السفارة، فإن السبب هو تأزم الوضع الأمني في مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين.
ما يثير الريبة في هذا الإعلان، أنه أتى بعد هدوء وهدنة في المخيم على مدى يومين، فلِمَ صدر في هذا اليوم في التحديد، ولم يصدر البيان إبّان اشتعال المخيم وجواره؟
يمكن قراءة المشهد على الصعيد الداخلي، بأنه إيعاز خارجي بأن يتُرك لبنان لمصيره خلال شهر آب، مع تحريك عامل التفلّت الأمني الذي قد تكون شرارته المخيمات الفلسطينية، مما يؤدي إلى تأجيج الوضع أمنياً وسياسياً، في الوقت الذي تقبع فيه الدول “المساهمة” في إجازتها الصيفية، ما يستدعي ضبط الإيقاع سياسياً، ويصبح قائد الجيش حاجة ملحّة لضبط الأمن عبر الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية.
هذا التصعيد مرتبط بالغياب غير المبرر للدور الفرنسي خلال شهر آب، تزامناً مع القرار السعودي، القديم الجديد، بالتحذير من السفر إلى لبنان، بالإضافة إلى ما سرّبه الإعلام من محاولات لتدخّل الجيش في معركة “عين الحلوة” لحسمها، ولكن الجيش لم يقدم على هذه الخطوة، ثم نفى وجود خطة لديه بهذا الصدد، فهل لم يحن الموعد؟ أم أن ثمة من حال دون إقحام الجيش في هذه “المعمعة” حتى لا يتم الاستثمار بالنتائج لصالح الانتخابات الرئاسية؟
ربما تتخذ الدول “الفاعلة” في ملف رئاسة الجمهورية، سخونة شهر آب، كفرصة لممارسة كل الضغوط، وجر الأطراف اللبنانية إلى طاولة الحوار بطريقة مختلفة.
أما على الصعيد الإقليمي، يأتي قرار السعودية بمنع السفر، عقب أيام على إعلان السفير الإيراني في الرياض علي رضا عنايتي، في تصريح صحفي، أن السعودية أرجأت فتح سفاراتها في بلاده إلى موعد غير محدود، موضحاً بأن السعوديين أبلغوا بلاده بانه سيتم فتح السفارة “متى ما رأوا ذلك مناسباً”.
هذا التأجيل يشير إلى أن الوضع بين طهران والرياض ليس في أحسن وأحواله، وأن الخلاف قد ينشب من جديد لينهي الاتفاق الذي جاء برعاية صينية قبل أن يبدأ.
هل لزيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان علاقة بملامح “كبح” تطور العلاقة بين الرياض وطهران؟
الواضح أن زيارة الموفد الأميركي لها علاقة مباشرة بمحاولة تطبيع العلاقات بين السعودية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا التطبيع لا بد أن يصطدم بالمسار الإيجابي في العلاقة السعودية ـ الإيرانية، وربما هذا ما يفسّر وقف المملكة العربية خطوات التطبيع مع الجمهورية الإسلامية.
وعلى هذه الحال، ثمة من يقول إن المنطقة ككل، ستدخل على منعطف جديد، وبانتظارها سخونة سياسية في العلاقات الدبلوماسية، سيكون للبنان حتماً الحصة الكبرى فيها، كونه يعد حلقة ضعيفة في الوقت الحالي، وأي تأجيل سيطرأ على الاهتمام بالملف اللبناني، سيعدّ ضربة قاضية للحلول الممكنة، خاصة في ظل الفراغ الرئاسي والفراغ في حاكمية مصرف لبنان وحسابات المصرف في آن واحد.