| جورج علم |
لا يمكن التقليل من مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. أيّ تنحيّ سيكون مكلفاً على لبنان واللبنانييّن. كلام السفيرة آن غريو في قصر الصنوبر، كان أشبه بإنذار مبكّر ، وعندما تتحرّك الفيلة تتعاظم الخشيّة على الفقاقيس.
يعود مرسملاً بخيارين: العمل على صياغة تفاهم محلّي حول خيار ثالث، بكامل مستلزماته الدستوريّة. أو دورات انتخابيّة في مجلس النواب، تنتج رئيسا وفق اللعبة الديمقراطيّة.
يتردد في الفضاء الإعلامي كلام عن حوار متجدّد بين حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. إن نضجت نتائجه، فإنه يتزامن مع مؤشّرات ثلاث:
- التحضير لجولة لو دريان الثانيّة المرتقبة.
- ما تضمّن البيان الختامي للقاء الخماسي في الدوحة من مطالب واضحة من رؤساء الكتل والأحزاب.
- إصرار البطريركيّة المارونيّة على أولويّة الإستحقاق الرئاسي، في زحمة الأولويات الأخرى المطروحة.
حتى الآن، ليس من وضوح حول أهداف الحوار المتجدد. تجربة الماضي أوصلت اللبنانيّين إلى جهنّم، فهل المطلوب المزيد؟ ثم حول ماذا كان الطلاق؟ وهل عولجت الأسباب للعودة الى الانسياب؟
فتح الحزب، منذ أشهر، باب الحوار، ونادى على أهل الدار، فلم يدخل أحد، ولم يتقدّم مكوّن ليبلغ حدود العتبة. أزمة الثقة أكبر وأعمق مّما يتصوّر. ولا يستطيع جبران باسيل أن يغطّي الفراغات، كونه كان واحداً من مهندسيها البارعين على مدى السنوات الست؟
حركة “أمل” ترحّب. إذا كان باسيل يدعم مرشّح الثنائي سليمان فرنجيّة، عندها يبادر الرئيس نبيه برّي إلى تحديد جلسة الانتخاب. خارج هذا الشرط، تبقى العودة مجرد نزهة في مشوار الفراغ.
البطريركيّة المارونيّة إستقبلت باسيل، في مقرّها الصيفي في الديمان، وأوحى للصحافييّن، بأن هناك مساراً، الهدف منه إعادة الاستحقاق إلى صدارة الاهتمامات. لم يتكتّم البطريريك بشارة الراعي، أعلن من إهدن، وبمناسبة تدشينه كنيسة مار شربل، بأن هناك مرشحين للرئاسة، فلتكن جلسة، بدورات متتالية إلى حين انتخاب رئيس.
يلتقي هنا، مع الحزب، ومع الخيار الثاني الذي يحمله لو دريان، لكن هل يفعلها جبران، ويعود عن لاءاته، وينتخب فرنجيّة؟ وبأي ثمن؟
يملك رؤية سياسيّة طاف بها يوماً على معظم القيادات، والفعاليات، لحشد التأييد، لكنه إكتشف بأن الثقة به وبطروحاته ضعيفة، تحتاج إلى مصداقيّة غير متوافرة. ويملك حاليّاً ورقة قويّة، كتلة نيابيّة وازنة، يحاول إستغلالها للحصول على ضمانات حول المستقبل. ومشكلته هنا ليست مع الحزب، بل مع “الثنائي”، لأن الثمن الذي يريده، لا يستطيع الحزب أن يؤمنه لوحده، بل هو بحاجة إلى حركة “أمل”، وإلى تعهدات مباشرة وعمليّة من الرئيس نبيه برّي تحديداً. لذلك فإن أسلوب الحوار مختلف هذه المرّة. إنه حوار مع “الثنائي” من خلال بوابة الحزب، وضمانته. فهل يستيقظ اللبنانيون صبيحة يوم، يشاهدون باسيل بضيافة عين التينة، وسليمان فرنجيّة ثالثهما؟
قد لا يحظى مثل هذا السيناريو ببركة البطريرك تفادياً للإحراج، وحرصاً منه على العلاقة مع “القوات اللبنانيّة”، وسائر المتقاطعين الآخرين. لكنه لا يستطيع أن يعارضه، لإعتبارين: كونه يشكّل مخرجاً دستوريّاً ديمقراطيّاً لأزمة الاستحقاق. وكون فرنجية من “الأقوياء الأربعة”، ولا يمكن وضع أي “فيتو” على شخصه، وخياراته الوطنيّة. ثمّ أن إنجازاً كبيراً يكون قد تحقق، في حال هبّت الرياح المؤاتية لأشرعة هذا المسار، ألا وهو “تحرير” المسيحيّين، والموارنة تحديداً، من عبء الامتثال القسري للممارسات المتسلطة تحت شعار “الضرورات تبيح المحظورات”.
لقد دفعت الطائفة من رصيدها، ودورها، وحضورها في الميثاق الوطني، أثماناً باهظة، نتيجة تفكك مكوناتها، وسياسات الإلغاء التي لا تزال محتدمة بين “أقويائها”. عليها أن تشكّل شبكة أمان، لمنع إنفلات الغرائز. وعليها ضبط التوازن، لإنقاذ العيش المشترك. وعليها تحرير الإستحقاق الرئاسي من نزوة الرغبات المضمرة، والطموحات الجموحة.
على الطائفة المؤسس للكيان، أن تحفظ وتحافظ على المؤسسين الآخرين. وليس في هذا تشريف، أو تكليف، بل حرص على الأمانة التاريخيّة التي جعلت من لبنان وطناً للإنسان، ومختبراً للأديان.
قد يكون خيار فرنجيّة، أقل الخيارات كلفة على الطائفة، والوطن. وهذا ليس من منطلق الترغيب أو الترهيب، بل من منطلق الجوائح الظالمة، والمظلمة التي تجتاح “ها الكم أرزة العاجقين الكون!”.
الإتحاد الأوروبي يهدّد، وقد قالها صريحة “ادمجوا مليونين نازح. فأنتم أهل الشهامة، والضيافة!”. ماذا أعددنا من رد؟ اقتصر الأمر على مزايدات تمليها الشعبويات، وعلى أقصوصة ورق برسم المسؤول عن السياسة الخارجيّة والأمن جوزيب برويل!
مالية لبنان، وليرته، ومصرفه، وحاكميته، في مهب مؤامرة قطبها محليّة، وحياكتها خارجيّة، يشارك فيها النول الأميركي ـ الإسرائيلي، ونول صندوق النقد الدولي، ونول التجاذب الإيراني ـ الأميركي ـ الأوروبي ـ العربي ـ الخليجي… فيما الصخب المحلي يدور حول نواب الحاكم الأربعة، والمزايدات الشعبويّة، والمعالجات العشوائيّة الغارقة في لجج التنجيم، والافتراضات، والفرضيات، والاستفهامات: هل من تعييّن حاكم جديد؟ هل من تمديد للحاكم الحالي؟ هل من مخارج أخرى اعتباطيّة، ظرفيّة، فئوية؟
و”الخط الأزرق”، ومن حوله، ملعب مستباح لتبادل رسائل إسرائيليّة ـ أميركيّة ـ إيرانية، مع اقتراب موعد التجديد لمهام “اليونيفيل”، ومن يدري ما إذا كان بعض الدول النافذة في مجلس الأمن الدولي، يخطط، مغتنماً المناسبة، لزرع مسمار جديد في نعش الكيان؟
إن بيان “الخماسي” في الدوحة، وبعده اجتماع وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع المبعوث الرئاسي الفرنسي، قد رسملا مهمة لودريان. فهل يكون استحقاق وفق دستور الطائف، أم خيار ثالث يولد من رحم الحريصين على الطائف؟
الوقت سيف قاطع، فيما رأس لبنان تحت المقصلة!