بين العلمانية والهوية والتطرف… فرنسا نموذجاً!

/ رندلى جبور /

لا بدّ أن تطرح الاحداث التي انطلقت في فرنسا منذ أسبوع، على خلفية قتل شرطي لمراهق جزائري، إشكاليات كبرى.
وهي إشكاليات تحتاج إلى ألف أطروحة، ولكن لا بأس من الاكتفاء بإلقاء ضوء.
العلمانية الفرنسية القائمة على الأخوّة والمساواة والحرية، نبذت الطائفية والعنصرية، وجعلت كل من يحمل جنسيتها متساوياً تحت سقف القانون، وهذا مثالي.
ولكن، إلى أي مدى غضّ النظر عن الخصوصيات، وتشريع الأبواب كيفما كان، هو أمر إيجابي؟
وهل المسلم الآتي من المغرب العربي والحامل للجنسية الفرنسية، يمارس علمانية حقيقية؟ وهل يعيش تماماً كأي فرنسي من أصل فرنسي؟
وهل المسيحي الفرنسي، ولو غير الممارس لمسيحيته، ينظر حقاً وبعمق إلى “الآخر” كما ينظر إلى أخيه في الانتماء الأصلي ديناً وجذوراً وطنية واجتماعية؟
لو كان الجواب نعم، لما كانت ممارسات بعض أفراد الشرطة الفرنسية بحق “الآخرين” من الفرنسيين، على هذا الشكل.
ولو كان الجواب نعم، لما كانت ردة فعل “آل نائل” وكل الأصدقاء، لتشعل فرنسا، خصوصاً أن حالات قتل حصلت بحق رجال دين ومدنيين مسيحيين، ولم تقم القيامة ولا حصل شغب.
وهذا يعني أن البحث يجب أن يكون أعمق من التعاطي السطحي مع حادثة قتل عوقب فاعلها، ومع ردة فعل.
البحث يجب أن يطاول الأبواب التي شرّعتها فرنسا واسعةً، وبلا حسابات أحياناً، وسمحت بدخول التطرف إليها من خلال غير المنتمين الأصليين، وسمحت في المقابل بتنامي اليمين الفرنسي المتطرف، وحتماً سيتنامى أكثر، وكثيرون باتوا يحلفون بحياة مارين لوبين.
وهنا أيضاً توضع على المحك سياسات فرنسا تجاه مسائل، كاللجوء الذي تريده توطيناً في بلادنا، وكأنها لم تعرف بعد أنها تفتح علينا وعليها، من جديد، أبواباً على رياح تلفح الصدور.
وإذا كانت العلمانية، التي لم تأخذ بالاعتبار الخصوصية، يجب أن توضع تحت المجهر، من دون أن يعني ذلك بأي شكل الخروج من المدنية، ولا الذهاب إلى الطائفية والعنصرية، بل التنبّه لكيفية منح الجنسية، ومعرفة كيف تُفتح الأبواب، فإن مسألة الهوية هي أيضاً مسألة باتت تنتهي بعلامة استفهام.
فهل فرنسا، الواقعة تحت الشغب اليوم، هي ذات هوية واحدة حقيقية؟ وهل كل حاملي الجنسية الفرنسية، ينتمون بالعمق إلى هوية واحدة؟
وماذا يعني تعدّد الهويات تحت سقف واحد.. وإلى أين يؤدي؟
إن فتح كل حدود بلا ضوابط حقيقية، وعدم احترام الخصوصيات، هو الذي يغذي التعصب والتطرف والعنصرية، وليس العكس، ويخلق مشكلات كبرى قد يستغلها البعض في الداخل والخارج لتحقيق بعض مآربه السياسية.

(*) الآراء الواردة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن سياسة موقع “الجريدة”