/ زينة أرزوني /
إذا ما تمت المقارنة، خلال فترة الشغور الرئاسي والأزمة الاقتصادية، بين حركة سفراء الدول في لبنان وحركة سفرائه في الخارج، نكتشف أن الصيت الغالب على لبنان في أصقاع الأرض أن الجميع فيه قادر على الإفلات من المحاسبة والعقاب، وأنه دخل في عصر انهيار مؤسسات الدولة، خصوصاً بعد الفضائح التي ظهرت في الفترة الأخيرة إلى العلن في السفارات اللبنانية.
في بيروت، سفراء أميركا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والسعودية، وغيرها من الدول، يجولون على المسؤولين وهم يحملون رسائل من دولهم، أو لينقلوا تقارير تتحدث عما يدور في زواريب السياسة اللبنانية، علماً أن ذلك يُعد خرقاً لمعاهدة فيينا الدولية التي تمنع الدبلوماسي الأجنبي من التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الذي يعمل فيه.
ولكن، على الرغم من الاستياء من حركة السفراء وتدخلات بلادهم، إلا أن اللبناني لا يستطيع كسر العادات التي درجت منذ 80 سنة وأكثر.
أما في المقلب الآخر: فضائح، إختلاس، إغتصاب… أولها كان في السفارة اللبنانية في أوكرانيا، حيث تم الكشف عن قضية اختلاس ما لا يقل عن 330 ألف دولار أميركي، وفتح القضاء اللبناني تحقيقاً بشأنها. وبحسب المعلومات المسربة عن التحقيق، فإن الاختلاس طال صندوق السفارة الذي يتغذّى من رسوم تجديد جوازات السفر لأبناء الجالية اللبنانية المقيمين في أوكرانيا، ومن الوكالات ورسوم عقود الزواج وغيرها.
كما تبين خلال التدقيق بحساب نفقات السفارة في أوكرانيا، أن مبلغاً كبيراً سُحب من حساب السفارة وحُوّل إلى العملة المحلية في أوكرانيا من دون مبررات واضحة، إضافة إلى ظهور محاولة تزوير لتوقيع صاحبة الشقة السكنية التي كان يقطن فيها السفير اللبناني، فبحسب الموظف المالي قيمة الإيجار السنوية لهذه الشقة هي 96 ألف دولار أميركي، بينما المبلغ الحقيقي هو 78 ألف دولار فقط، مما يعني أن عقد الإيجار الذي كان يقدم للدولة اللبنانية مزور.
فضيحة أخرى ظهرت إلى العلن مع السفير رامي عدوان في فرنسا، بعدما تقدمت شابتان بشكاوى ضده تتهمانه بجرائم اغتصاب وعنف ضدهما، وهو ما نفاه عدوان، رغم اعترافه أنه كان على علاقة مع إحداهن ولكن “برضاها.”
وبعدما طلبت فرنسا رفع الحصانة عن عدوان، أرسلت وزارة الخارجية اللبنانية لجنة تحقيق إلى فرنسا للتحقيق في الادعاءات، وأصرت على رفضها التنازل عن حصانته الدبلوماسية، وبناء على المعطيات التي قدمتها لجنة التحقيق لوزارة الخارجية، تم تحويل ملف عدوان إلى القضاء اللبناني لمتابعته.
وأخيراً، برزت قضية السفير اللبناني في اليابان، نضال يحيى، بعد اتهامه بقضايا فساد. بحسب وثيقة رسمية مؤلفة من 10 صفحات، راسلت سكرتيرة السفير اللبناني في اليابان، Miheng chon، وزارة الخارجية اللبنانية، في الخامس من حزيران الجاري، أبلغتهم فيها بسلوك سفيرها في اليابان، وأسلوب تعاطيه مع الموظفين، وطرق استعماله للسلطة.
وبحسب ما كشفته السكرتيرة، فإن السفير اللبناني تسبب في نيسان الماضي، بضرر مالي كبير من خلال تبديل مكان السفارة ومكان سكنه بتكلفة حوالي 136 ألف دولار أميركي، كما أنه استخدم السفارة لغايات شخصية، إلى جانب اتهامه بمخالفات كثيرة ومنها: تسخير ملكيات السفارة لمصالحه العائلية، وممارسة الضغوط على الموظفين لإلزامهم بتقديم تقارير غير دقيقة لوزارة الخارجية في اليابان.
كما أفادت في هذه الوثيقة أنها تعرضت للإساءة اللفظية والجسدية في بداية شهر حزيران، وقام السفير بطردها من العمل.
السفير يحيى نفى كل التهم المنسوبة إليه، واتهم الموظفة في بيانه التوضيحي بـ”التمرد على التعليمات، وتسريب مراسلات رسمية من داخل السفارة”، معتبراً أن الوثيقة التي قدمت لوزارة الخارجية اللبنانية ليست سوى “رسالة تزوير ومعطياتها كاذبة، لا تمت للحقيقة بصلة”.
وأكّد يحيى أن الموظفة لم تتعرض لأي عمل عنفي أو جسدي، إنما صرفت من العمل بسبب مخالفاتها المستمرة، وختم بيانه بمطالبة وسائل الإعلام بعدم تداول رسالة الموظفة الكورية مرة أخرى، لأنها “معطيات كاذبة وهادفة لتشويه سمعة لبنان وسفيره”.
ثلاثة نماذج عن اتهامات الفساد، كفيلة بأن تضرب سمعة لبنان الدبلوماسية، بعدما كانت الأزمة الاقتصادية أطاحت بهيبة الدبلوماسية اللبنانية في الخارج، إثر عملية التقشف التي طالتها، حتى أن بعض السفارات اختفت منها القرطاسية والأوراق والحبر، كما أن الرواتب لم يتم تحويلها إلى السفراء والموظفين، بسبب تخلف مصرف لبنان عن تحويل رواتب الدبلوماسيين العاملين في الخارج.
ومؤخراً، بدأت وزارة الخارجية اللبنانية تنفيذ خطة لعصر نفقات بعثاتها الدبلوماسية، شملت الاستغناء عن 165 موظفاً، وتخفيض رواتب دبلوماسيين وموظفين محليين، في إجراء تقشفي يستمر لمدة عامين، إثر تراجع إيرادات الدولة والضغوط المالية والاقتصادية التي تعاني منها.
ورصدت الحكومة في موازنة عام 2022، نحو 73 مليون دولار لتغطية نفقات البعثات الدبلوماسية في الخارج، من رواتب وأجور وبدل تمثيل، فضلاً عن إيجارات الأبنية وصيانتها، لكن الظروف الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، دفعت الوزارة لاتخاذ قرار بشكل مستقل عن سياسة الحكومة لعصر النفقات، حقق وفراً بنحو 14 مليون دولار سنوياً في العام 2022 فقط، ويُضاف إلى 8 ملايين دولار في العام الذي سبقه، ليصبح مجموع الوفر نحو 22 مليون دولار.