/ زينة أرزوني /
بالتزكية، ومن دون أي معركة انتخابية، فاز النائب تيمور جنبلاط برئاسة “الحزب التقدمي الاشتراكي”، ويذلك يكون وليد جنبلاط قد استكمل حلقة التوريث السياسي.
منذ العام 1920، تاريخ إعلان لبنان الكبير، وحتى يومنا هذا، تُدار العملية السياسة من عائلات كبيرة انتهجت التوريث، ولائحة “البيوتات السياسية” في لبنان تطول.
الجديد هذه المرة، أن جنبلاط قد يكون أول من يسلم زعامة العائلة الجنبلاطية، وهو لا يزال على قيد الحياة، والمعروف عن هذه العائلة أن تسلم زعامتها معمد بالدم. وليد تسلمها بعد أن قضى والده كمال اغتيالاً، وكذلك جده فؤاد، كما جده الأكبر سعيد جنبلاط، الذي اغتيل بالسم.
إلا أن جنبلاط، الذي لا يشبه أحداً بطريقه تفكيره، مهد لنجله الطريق منذ العام 2017، حين ألبسه “كوفية الزعامة الدرزية الجنبلاطية” في الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط، وإعلان عزوفه عن الترشح إلى الانتخابات النيابية، ودخول تيمور إلى الندوة البرلمانية عام 2018.
إنتقال تدريجي “سلس” للزعامة الجنبلاطية إعتمده صاحب “الرادارات” التي تلتقط اللحظة المناسبة للإستدارة سياسياً، أو للتفكير بطريقة عصرية شبابية لإستنهاض الحزب الاشتراكي ووضع عمله السياسي في إطار جديد.
ولكن، ماذا بعد استلام تيمور الزعامة رسمياً؟ هل سيختفي جنبلاط من المشهد السياسي كلياً؟
هنا يرى مراقبون أن من أقدم على هذه الخطوة، في هذه اللحظة الحساسة سياسياً في الداخل والخارج، من المؤكد أنه لن يتخلى عن المسؤولية في الإشراف على الأمور الأساسية والخطوط العريضة للعمل السياسي داخل الحزب، ولو من خلف الستارة، لكن التجديد يبقى ضرورة في أي حزب أو تيار.
“البيك” الذي وجد نفسه داخل اللعبة السياسية بعد استشهاد والده، يدرك جيداً ماذا يعني ذلك، فهو قرر أن يُعلّم نجله خبايا السياسة في لبنان، وأدخله في زواريبها الضيقة وهو إلى جانبه، وسلّمه مفاتيح الزعامة، وكشف أمامه الكثير من الأسرار ليكون على دراية كاملة بما سيُقبل عليه. وانطلاقاً من هذا، فإن جنبلاط لن يترك نجله يغرق في الوحول السياسية، وسيكون “الظهر” الذي يتكئ عليه، و”المستشار” و”الواعظ الحكيم”.
خطوة جنبلاط هذه لا تعني بالضرورة أنّه قرّر أن يتقاعد، بمعنى أن يختفي من الساحة السياسية، فهو موجود، وهو في خلفية الصورة الشاملة بثقله المعنوي والتاريخي، وبتجربته الطويلة.
صاحب عبارة “إلى أين؟”، هو الأدرى إلى أين يريد أن يوصل نجله، والحزب الذي عاش معه على مدى 46 عاماً سراء وضراء السياسية اللبنانية. لذلك، حرص في خطابه خلال انتخابات رئاسة الحزب، على الربط بين تضحيات الرعيل الأول المؤسّس للحزب العام 1949 إلى جانب الشهيد كمال جنبلاط، ورفاق السّراء والضرّاء لـ46 عاماً من رئاسته الحزب، للحفاظ على المختارة، وبين الآمال المعقودة على الشابات والشبان لاستكمال مسيرة النضال إلى جانب نجله تيمور في محطته القياديّة الثالثة، على رئاسة “التقدّمي”.
الإرث الجنبلاطي الذي امتد إلى أكثر من 400 سنة، لن تتبدل خطوطه العريضة مع تيمور، وهو ما بدا واضحاً في خطاب “الفوز”، مشيراً إلى انه سيحمل قيم العروبة والديموقراطية في مواجهة التحجر والعنصرية، ورفع راية فلسطين عالياً.
فمسيرة والده، بحسب تعبيره مستمرة، و”سوف نسير وننتصر معك، فالرجال رجال والمبادئ مبادئ، والنضال مستمر”.
أكمل وليد جنبلاط مسيرة والده، وبنى حيّزه الخاص، وزعامته الخاصة، وحتى شخصيته الخاصة… كذلك تيمور، بدأت مرحلته، وبدأت مرحلة بناء قيادته الخاصة، وشخصيته، وإسمه.
وخلال الأعوام الخمسة الماضية، إستطاع تيمور أن يُكوّن فريقاً صغيراً حوله، البعض ممن واكبوا والده، والبعض الآخر يواكبونه هو شخصياً، فيما سيبقى جنبلاط بمثابة “الحكيم” حامل مفاتيح الحكمة والتجربة التاريخية، وتاركاً نجله يمسك بهذه القيادة بشكل يومي بتفاصيلها ومسؤولياتها.