/ جورج علم /
قد يكون انتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً، أقل كلفة على المسيحيين، وتحديداً الموارنة. بطاقته الشخصيّة معروفة، مؤهلاته واضحة. إمكاناته مجرّبة، كان نائباً ووزيراً، وترك أثراً في وجدان العامة.
ليس هو الساحر القادر على انتشال لبنان من الهوة، ورفعه إلى ما فوق السحاب. ولا هو المنقذ الاستثنائي الذي يمتلك قدرات خارقة. إنه كما يعرفه الناس، وكما قدّم نفسه إلى الرأي العام. قال إنه “يمون” على “الحزب”، وإنه صديق الرئيس بشّار الأسد، وبإمكانه أن يوظّف هذا “الرصيد” لمعالجة بعض الملفات الحسّاسة. فاته أن الوقت ليس ملكيّة خاصة يمكن التحكم بها، وأن المستجدات قد تحمل الكثير من الرياح التي لا تشتهيها أشرعته.
… ولكنه يبقى الأنسب للحدّ من الخسائر لدى المكّون المسيحي، والماروني تحديداً، قياساً إلى الحسابات المتداولة.
إنه مرشّح “الثنائي” القوي بتماسكه، وصلابة موقفه، ووحدة قراره، ونظرته الثاقبة إلى الحاضر، والمستقبل، وقراءته الواحدة، المنسّقة، حول المعطيات المتوافرة، والتطورات المرتقبة. لم يشهد لبنان، على مدى تاريخه الحديث، تكتلاً ثنائيّاً يملك الكثير من زمام القوة والمقدرة على فرض معادلات، وتغيير أخرى، وفرض قناعات، وتغيير أخرى، وفرض قرارات، وتغيير أخرى، وفرض حسابات، وتغيير أخرى، إلى حد أن دوره قد تجاوز المحلي، إلى العمقين العربي، والإقليمي.
كانت كفّة “الثنائي”، في الميزان الداخلي، راجحة منذ العام 2005، ولا تزال. وحصلت تطورات كثيرة في الداخل، والإقليم، وبقيت راجحة، ولا تزال. يراهن على قوّتين: السلاح، والتعطيل. السلاح في عهدة الحزب، والتعطيل في عهدة الرئيس نبيه برّي. مفتاح مجلس النواب ملك يديه، وهو من يقرّر موعد استعماله، وكيف، بعد أن يحسم النتيجة سلفاً.
وينطلق “الثنائي” من تفاهمات عميقة حول ما يريده في الداخل من مواقع نفوذ في الدولة، والنظام، والمؤسسات، وأيضاً في السياسة، والأمن، والإقتصاد. ويستفيد من تطورات إقليميّة، ودوليّة مؤاتية، بينها: التفاهم السعودي ـ الإيراني. الإنفتاح السعودي على سوريا. عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة. التقارب الإيراني ـ الروسي ـ الصيني، وتأثيراته على دول المنطقة.
بالمقابل، تستلقي المعارضة عند شاطىء الأوهام، يكتفي الأميركي بإسداء النصائح، وإطلاق الشعارات. يعتمد على سلاحين: عقوبات غير ذي جدوى، وإعلام تحريضي لا يغيّر شيئاً من مجريات الأحداث، كونه يفتقر إلى استراتيجيّة عملانيّة تنفّذ بخطى واثقة على أرض الواقع، وعندما لا يكون الإعلام مجندّاً لدعم مشروع ما، يبقى مجرّد بوق لا أكثر.
ويكتفي السعودي بالرصيد المعنوي الكبير الذي كان يتمتع به عند غالبيّة مكونات قوى 14 آذار. لكن الأحوال تغيّرت، وما تبقى من هذه الغالبيّة ينتظر دعما ملموساً، لم يصل، وخريطة طريق ضلّت طريقها، الأمر الذي زاد من منسوب التفكك والضياع في صفوفها. كانت تبني حساباتها على ترياق لا بدّ من أن يأتي من الرياض، والذي أتى كان دون المتوقع، ومن عناوينه نأي المملكة بنفسها عن الإستحقاق الرئاسي، وعدم وضع “فيتو” على أيّ من المرشحين، والدعوة إلى الحوار والتوافق.
ولا يجد “الثنائي الشيعي” في الموقف السعودي حرجاً. إنه الدّاعي إلى الحوار والتوافق، ولكن توافق حول ما يريد من مكتسبات في الدولة، والنظام، والمؤسسات. حول سلاحه، والإستراتيجيّة التي يريدها. وحول نفوذه الطافح محليّاً وإقليميّاً، والطامح نحو المزيد من الإقدام، لا الإحجام.
لقد أثبتت الوقائع لغاية الآن بأن ميزان الإستحقاق لا يزال مائلاً، والكفّة لا تزال راجحة لمصلحة “الثنائي”. لم تتمكن المعارضة، على تنوّع روافدها، وتعدد أحزابها وتياراتها، من توحيد صفوفها كقوّة واحدة متراصّة، لها مشروعها، ومتفاهمة على آليات العمل لوضعه موضع التنفيذ.
يُقال إنها توافقت بعد اجتماعات، وحوارات على إسم مرشّح. بقي معرفة كيفيّة تأمين وصوله إلى قصر بعبدا. ربما في الأمر إستحالة، لأن “الثنائي” يعوّل على فائضين: السلاح والتعطيل، فيما تعوّل المعارضة على رافعة خارجيّة لم تتضح معالمها بعد، ولا أحد يملك معلومات مدقّقة حولها.. ومن يتولاّها؟
يراهن البعض على الموقف الذي أطلقته المسؤولة الأميركيّة باربرا ليف حول العقوبات، وإمكانية فرضها على أولئك الذين يعطّلون انتخاب رئيس للجمهوريّة، إلاّ أن الرد جاء قاسياً، ومن موقع التحدّي، في ظلّ غياب أي دليل حول أي مشروع إنقاذي أميركي، أو “خماسي”، أو سعودي ـ إيراني ـ فرنسي، حول الاستحقاق ومندرجاته.
يراهن البعض الآخر على الوعي الذي لا بدّ منه في هذه المرحلة الدقيقة والمصيريّة، لمنع تحويل مجلس النواب إلى حلبة مصارعة بين المعارضة و”الثنائي”، وانتخاب رئيس وسط أجواء من التحدّي، والإصطفاف السياسي، الطائفي. إن الأمر، إن حصل، سيكون كارثيّاً بكل المعايير والمواصفات، وقد تترتّب عليه مضاعفات خطيرة.
وتلافياً لذلك لا بدّ من:
• توافق إقليمي ـ دولي حول خريطة طريق إنقاذيّة خاصة بلبنان، يُعمل على وضعها موضع التنفيذ… وحتى الآن لا شيء من ذلك، سوى نصائح وتمنيات حول ضرورة التلاقي والتوافق.
• التحرّر من الإنقسامات داخل المجلس النيابي حول الإستحقاق الرئاسي، وإلغاء معادلة مرشّح التحدي، والإصطفاف وراء معادلة المرشح التوافقي، وفي هذه الحالة قد تصبح الطريق ما بين اليرزة وبعبدا أقصر المسافات.
• إذا كانت الرافعة الخارجيّة غير موجودة. و”الثنائي” مصمم على مواقفه. وهناك استحالة في الخروج من دائرة الإصطفافات السياسيّة ـ الطائفيّة الحادة… يبقى إنتخاب فرنجية أقل كلفة وضرراً على المسيحييّن، والموارنة تحديداً، هذا إذا تسلّحوا بالوعي، ودقّقوا بالحسابات المحليّة والإقليميّة والدوليّة، واستمعوا إلى صوت الضمير…
فهل ينتصر العقل والحكمة، أم يبقى الرهان على المغامرة والمقامرة حتى الـ”صولد”؟