محمد بن سلمان بشار الاسد القمة العربية

القطار الأميركي ومحطاته.. بين جدة وبيروت

/ جورج علم /

يمكن أن تكون مشكلة الدين السيادي الأميركي، والذي تجاوز عتبة الـ32 تريليون دولار، في طريقها إلى الحل قبل موعد الأول من حزيران. هذا ما وعد به الرئيس جو بايدن في ختام أعمال قمّة مجموعة السبع، في هيروشيما اليابانيّة، يوم الأحد الماضي.
ما يعنينا كلبنانييّن وعرب، أن من بين المعالجات المطروحة: التحكم بأسعار النفط. العودة الأميركيّة للإمساك بمفاصل منظمة (أوبيك+). الإمساك بمفاصل اقتصاديات دول الخليج الأكثر ثراء.

ويبدو العنوان الثالث والأخير، جذّاباً، والدليل أن إدارة بايدن التي بدأت تستعد لإنتخابات 2024، قد تمكّنت من “إلقاء القبض” على ثلاثة، أعادتهم إلى بيت الطاعة: التمدّد الصيني في الخليج، وقد أصبح تحت المجهر الأميركي. الاتفاق السعودي ـ الإيراني، وقد فقد الكثير من زخمه وحيويته. والقمّة العربيّة التي توجّت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صاحب مكانة مرموقة في العالمين العربي، والإسلامي.

وفي عودة إلى القمة. لقد كانت عربيّة، بضيافة سعوديّة، وتحت مظلّة أميركيّة.

الرئيس الأميركي، ومعه حلف شمال الأطلسي، كانا حاضران، ممثلان بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي ألقى خطابا “جهويّاً” في حضرة الملوك والرؤساء والأمراء العرب. فيما دخل الرئيس السوري، بشار الأسد، بتأشيرة أميركيّة، تحمل توقيعي وزيري خارجيّة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد، ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان. وكان نجم القمّة، وحديث الصحافة والإعلام، لكنه لم يحمل إضافات معنوية بارزة لسببين:

الأول، أنه بحاجة إلى الحضن العربي، أكثر ما الأخير بحاجة اليه.

الثاني، أنه يدخل محاطاً برزمة من الشروط الأمنيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والاستراتيجيّة، وعلى قاعدة: “خطوة، مقابل خطوة… تُعطي، نُعطي. وتَقدَّم، نُقدِّم… وهناك لجنة خماسيّة شكّلت من مصر والسعوديّة والإمارات والأردن والعراق، لمتابعة “مسار التطبيع” بين سوريا والجامعة العربيّة حول كل الملفات، بينها الملف اللبناني، من زاويتي تجفيف منابع المخدرات، وشرايينها، وعودة النازحين.
واستقبل لبنان مقررات القمّة بعراضتين: “مايوه” صيدا. والعرض العسكري في عرمتى.

وليس من جوامع مشتركة بين الظاهرتين، سوى المكان، والتوقيت، والبعد السياسي.

المكان، هو الجنوب، سواء مدينة صيدا، أو بلدة عرمتى. والزمان هو الأحد المنصرم. أما البعد السياسي، فمجرّد حديث يطول حول اللامركزيّة الموسّعة التي تنتسب أساساً إلى تلك التي تكتسب مقوماتها التأسيسيّة، حاليّاً، ضمن نطاق كسروان ـ جبيل، وقد رحّب النائب السابق نعمة الله أبي نصر، مؤخراً، بصدور مراسيمها التطبيقيّة.

أن يكون لكسروان ـ جبيل لامركزيّة موسّعة، فلم لا يكون من لامركزيّة سنيّة موسّعة تضم صيدا، وإقليم الخروب، إلى جانب لامركزيّة شيعيّة ركنها الثنائي الشيعي، وقاعدتها القرى والبلدات التي تشكّل خزّان المقاومة، ورافدها القويّ؟!

وترتفع وتيرة الكلام في المجالس، المفتوحة والمقفلة، حول اللامركزيات الموسّعة، مع تفاقم الضائقة المعيشيّة ـ الإجتماعيّة في عموم المناطق اللبنانية، وإستمرار الفراغ الرئاسي، وغياب الحوار، وتزايد التدخلات الخارجيّة في الشؤون الداخليّة، مع غياب المؤشرات الجدّية الصادقة والموثوقة بقرب الحل والإنفراج.

وإذا كانت “عراضة المايوه” في صيدا، مجرّد رسالة “لفت نظر”، محدودة المكان، والتأثير، ومعروفة العنوان ما بين المرسل والمرسل ـ أو المرسلين ـ إليه، فإن “عراضة عرمتى” أكثر إثارة، في الشكل، والمضمون، والتوقيت، ولا يبرّرها سوى دفق المعلومات المتصلة بما هو محلي، بما هو إقليمي، وعلاقته بسياسة الاستقطاب على المستوى الدولي، نتيجة الحرب في أوكرانيا، وصراع المصالح في مضيق تايوان، فضلاً عن أن القطار الأميركي قد عاود تشغيل محرّكاته في المنطقة بعد الإتفاق السعودي ـ الصيني ـ الإيراني، ليمرّ بمحطات تبدأ بالطاقة، والدول الخليجيّة المتمكّنة، مروراً بالتفاهم السعودي ـ الإيراني، وصولاً إلى القمّة العربيّة.

أولى الرسائل الموجّهة من “عراضة عرمتى” كانت برسم قمّة جدّة، وما تضمّن بيانها الختامي من مواقف واضحة، حيال ملفات ساخنة حسّاسة في الإقليم، تهمّ دولة نافذة، لم يكن لها مكان في قمّة الرياض، ولا حتى في صفوف المراقبين. وبصريح العبارة، لم تكن هناك من إشادة جديّة بالتفاهم السعودي ـ الإيراني الذي أنجز في الصين.

الثانية برسم الولايات المتحدة، والضغوط التي تمارس لإخضاع التفاهم السعودي ـ الإيراني إلى المعايير التي تمليها واشنطن، وفق استراتيجيتها المرسومة لدول الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج. وقد نجحت هذه الضغوط فعلاً في كبح سرعة تطبيع العلاقات، وربطها بشروط أمنيّة، وسياسيّة، واقتصاديّة جديدة.

ولم يعرف بعد متى سيقوم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة الرياض تلبية للدعوة الرسميّة التي سبق وتلقاها من الملك سلمان بن عبد العزيز، ووفاء للوعد الذي قطعه بتحقيقها في أسرع وقت.
الثالثة برسم دمشق، وقرار عودتها إلى كنف الجامعة العربيّة، من دون أي إعتراض أميركي حاسم، وهذا ما يشكّل نقلة نوعيّة، إن على مستوى التحالفات، وصراع المحاور، أو التوازنات الجديدة المرتقبة حاضراً ومستقبلاً.

الرابعة برسم الداخل اللبناني، مع كمّ واسع من الإستفهامات: هل الرئيس نبيه برّي، وحركة “أمل” في الموقع المرحّب والداعم؟ هل مثل ما جرى يضاعف من فرص التوافق على انتخاب مرشّح الثنائي الشيعي لرئاسة الجمهوريّة؟ ثم أين الطائف، والقرارات الدوليّة ذات الصلة بلبنان، من كل ما يجري؟ وهل ما جرى في عرمتى يتفق ويتوافق مع مضمون البيان الثلاثي الصيني ـ السعودي ـ الإيراني في بكين، والذي رسم خريطة الطريق ما بين الرياض وطهران؟

الجواب الوحيد: من خطّط ونفّذ المشهد في مليتا، كان شريكاً أساسياً في اتفاق الإطار حول ترسيم الحدود المائية في بحر الناقورة، وعلى هذا الاتفاق الإطار تُبنى حاليّا حسابات كثيرة، ومصيريّة!